(أوضعت السلاح، والله إن الملائكة لم تضع أسلحتها؟) قالها رسول السماء لرسول الأرض عليهما الصلاة والسلام بعد غزوة الأحزاب التي انكسرت بها شوكة المحاربين من قومه ﷺ فقال: (الآن نغزوهم، ولا يغزونا، نحن نسير إليهم)..
لا تزال فلولهم تحتاج لتطهير وحذر وتطوير، فما انتهت الثورة بعد، (فإذا فرغت فانصب، وإلى ربك فارغب).
غير أنني ما عنيت هذا وحده في قولي أن الثورة مستمرة، فثمة ما يتهددنا وهو أهم من هؤلاء الفلول ولا أستهين بتخريبهم، ولكنني أريد التركيز على الثقافة التي صنعتهم، وتصنع غيرهم، فهي تحتاج لثورة بعد الثورة.
عبرنا أكثر من منتصف الطريق نحو سورية الجديدة، ولكننا لم نصل بعد..
ما بقيت من خطوات نرجو ألا تكون بطيئة هي الحسم والعزم في عبورنا نحو تحقيق الآمال.
العجلة والاستفراد والإقصاء والوصاية والاحتكار والتنازع والاستقواء بالخارج والتخوين والفساد وهلهلة الولاء الوطني نحو ولاءات تحت وطنية وفوق وطنية وثقافة المظلومية الطبقية والطائفية والعرقية، والانتقام والتحشيد الغوغائي والاستقطاب الأيديولوجي الحاد نحو يمين تكفيري ويسار تخويني، وتغييب المجتمع المدني، وعدم الممارسة السياسية، وعدم الثقة ببعضنا، والفساد الذي ينخر في أوصال كثير من الكيانات، وثقافة الرعب التي بثها نظام البعث لستة عقود، كل هذا يحتاج منا نضالا مستمرا وهادفا يهدف لمعالجة هذه التحديات سعيا نحو ترويضها لصالح ثقافة وطنية توافقية راشدة.
ثقافة لا تتجاوز تضحيات الثورة وأهدافها، ولا تعيد اختراع العجلة فيما ينبغي العمل عليه من حرية ومسؤولية وإعمار وعدالة وسلم أهلي واعتزاز بهويتنا الوطنية بكل مكوناتها الثقافية دون غمط للثقافة العربية الإسلامية التي تطرف النظام البائد في التعصب الحاد مع أحد جناحيها في إنكار وجحود لتمايز مكونات قومية وحقها في احترام الخصوصية الثقافية، وفي التعصب الحاد ضد الجناح الآخر حربا له معلنة تفتش على الناس وتلاحقهم على مجرد صلاة الجماعة في جامعاتهم!
هذه الملفات التي تنتظرنا قريبا لمعالجتها دستوريا وتوافقيا بحكمة ورشد، بعيدا عن الوصايات الخارجية، وتدخلات من كانوا يقضون بالأمر في أستانا وسوتشي وجنيف وغيرها حين تغيب تيم عن القرار، ولا يستأمر أبناؤها وهم شهود!
سورية الغد ستكون أجمل بفضل الله ثم بوعي كل أبنائها أن توافقهم هو حائط الصدّ الأول والأهم في منع كل التدخلات الخارجية التي كادت أن تجهض ثورتنا، ولعبت بإعداداتها وخارطة أهدافها، وأخّرت سقوط النظام عشر سنوات على الأقل!
إن الوعي الذي يبديه القائد أحمد الشرع اليوم يمهد لتجاوب أفضل مع مطالب الثورة، وهي مطالب لا يمكن أن يحققها كيان واحد من كيانات الثورة دون شركائه في صناعة لحظة التحرر التاريخية، وشركائه في بناء سورية الجديدة، وشركائه في معالجة ملفات السوريين الضخمة، وكلها تضع أملها في أن تكون المرحلة الانتقالية مرحلة ترميم وتجسير وبناء توافقات وطنية جامعة، لا مرحلة تصفيات وفرض أمر واقع يدمر مناخ الاستقرار الذي تتطلبه أي عملية قيادة دولة بحجم سورية!
طمأنة شركاء الثورة من فصائل ومؤسسات وكيانات، وطمأنة مكونات الشعب السوري عموما، وطمأنة محيطنا العربي والإسلامي، وطمأنة المجتمع الدولي، هذا هو عنوان المرحلة الانتقالية لثلاثة أشهر ريثما يقرر السوريون توافقيا واقعهم الدستوري الجديد، ويصنعون سورية الغد طاهرة من رجس ثقافة الأسد، والثورة في هذا البعد الثقافي والسياسي مستمرة حتى تنضج أهدافها وتجني قطافها..
(عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون).
فأروا الله من أنفسكم كيف تعملون
الآن الآن وليس غدا.
والله معكم ولن يتركم أعمالكم.
أحمد اسماعيل سعود
جميع المواد المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِّر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين