أعرف رجالًا ذوي فضلٍ وعلمٍ كانوا في تقدُّم باهر قبل قليلٍ من الزمن، ولكن بعد ما ظلَّلت الهواتف الذكية على الحياة، وانتشرت في كل برٍّ وبحر، ودخلت كل بيتٍ مدرٍ ووبر، وسخّرت العقول والنفوس، فقد قلَّلت من إنتاجاتهم المفيدة، وأثقلت أقدامهم الساعية.

ولا أقول إنهم ضلّوا الطريق وابتعدوا عن قيمهم، بل هم رجال أقوياء وأصحاب فكرٍ نيِّر، وأعمال فاضلة، ولكنهم وقعوا فريسة برامج الهواتف الذكية، وسيطرت على أذهانهم وسوسة الأخبار الجديدة التي تأتي في كل لحظة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، والمطالب التي لا ضرورة إليها في الأكثر، لأنها مطالب بسيطة لا تُسمن ولا تُغني من جوع، لكن وسوستها لا تترك الإنسان.

ومن أجل هذا نرى أن عدم الاكتراث بضياع الأوقات فيها هو من أكبر أسباب التخلُّف في العلم والعمل والدين والدنيا، وهي عائقة عن التركيز في الأمور الهامة، وهي خدّاعة، غدّارة، غرّارة كما جاءت هذه الصفات حول الدنيا، وكما أن الدنيا هي متاع الغرور، فهذه الآلات وأمثالها لا شكّ أنها من متاعها الغرّارة، لأنها غيّرت الأحوال، وسيطرت على الأفكار والمشاعر، وحطّمت الحدود والقيود، وبدّدت الطاقات، وقرّبت العدو، وأبعدت الصديق الوفيّ الصادق.

وقد ضاع الوقت الذي هو حياة الإنسان في صفحاتها الملوّنة، ومتابعة شبكاتها المختلفة.

فنرى قلّة الإنتاج، وعدم إنجاز الأمور، والفرار من المسؤوليّة، واللجوء إلى الأعذار الواهية في ظلّ الظروف الكالحة، وعدم الوصول إلى الأهداف السامية.

ولا أنكر أن هناك قلّةً قليلةً من الناس قد أحسنوا الاستفادة منها، وابتكروا في استغلالها، فصار هاتفهم الذكي مدرسة متنقّلة، ومركزًا للعلم والدين، ومنبرًا عاليًا لأطايب الكلام، وبيئةً ملائمة لخدمة العلم والدين.

وهؤلاء الأفاضل هم الذين يُحسنون الاستفادة من هذه المنصّة، وهم قد غلبوا على الآلات ولم يُغلبوا في معركتها الحاسمة، ففازوا بمراميهم، وأثمرت مجهوداتهم ثمارًا يانعة.

ولكن كلامي عن أكثر الناس الذين وقعوا ضحية هجماتها ووساوسها.

ولا بدّ أن ندعو الله دومًا أن يوفّقنا لحُسن استخدامها فيما يُحبّه ويرضاه.

بقلم: عبد اللطيف زاهدان