فقرات وفصول من مذكرات الأستاذ محمد عادل فارس: خلية نحل

فقرات وفصول من مذكرات الأستاذ محمد عادل فارس: خلية نحل

التصنيف: من عبر التاريخ
الاثنين، 12 شعبان 1446 هـ - 10 فيفري 2025
57

خلية نحل:
ومما أنجزته خلال رئاستي لجهاز التربية، أن كلفت أعضاء الجهاز، من موجهين وأفراد، أن يدرسوا المنهاج دراسة جادة، وقسمت موضوعات المنهاج إلى نوعين: نوع يقدّم الأخ فيه دراسةً جادة، يعتمد فيها على عدد من المراجع، فيكتب بحثاً في كل موضوع منها، ونوع يقرؤه من المراجع المتاحة أو المعتمدة فيقدم فيه امتحاناً. وقد وجدتْ هذه الطريقة تجاوباً كبيراً، فصار الجهاز خلية نحل، يجدّ الإخوة في إعداد البحوث، وفي تقديم الامتحانات. وكان هذا يشغلني جداً، إذ عليّ أن أدلُّ على المراجع المناسبة، وأن أقرأ البحوث التي يُعدّها الإخوة وأسجل عليها الملاحظات، وأضع العلامات المناسبة، وأجري الامتحانات وأصححها... وكنتُ أُحسّ بمتعة تنسيني تعبي.
وقد نزلتْ بي مصيبةٌ أتاحت لي فرصةً لمزيد من الإنتاج. فقد كنت متوجهاً إلى عملي في موقع صوامع حبوب إدلب، مع زملاء العمل، من مهندسين ومساعدين... فانقلبت بنا السيارة، وأصابتنا إصابات مختلفة، كان حظّي منها كسراً في لوح الكتف الأيمن، وهذا جعلني أحصل على إجازة مرضية تلقائية، استمرت نحو ثلاثة أشهر، استفدت منها في إنجاز المزيد من أعمال الجهاز!.


*****


دليل الموجّه:
هذا الموضوع يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالعمل التربوي الذي أتحدث عنه، وإن كان – من الناحية الزمنية – يمتد إلى مراحل متباعدة.


أهم عناصر العملية التربوية:
1- المربي (المعلم، الأستاذ، الموجّه...)
2- المنهاج.
3- الإدارة التربوية.
4- المبنى المدرسي وتجهيزاته.
ومن خلال تجربتي الطويلة في ميدان التربية الإخوانية لا أكاد ألحظ أثراً يُذكر للإدارة التربوية والمبنى وتجهيزاته، ولضآلة هذا الأثر مسوغات مفهومة.


بقي إذاً عنصران:
المربي، ويسمى في التنظيم الإخواني السوري موجّهاً، ويسمى في التنظيمات الإخوانية الأخرى نقيباً.
والمنهاج، وهو يتبدّل بين الحين والآخر، كما أنه لا يكاد يطبّق تطبيقا كاملا إلا في ظروف وقطاعات محدودة، هذا، بغضّ النظر عن مدى جودته.
وفي تقديري، سواء توافرت العناصر الأربعة، أو ضعُف بعضها، أو غاب، فإن العنصر الحاسم في كل الأحوال هو الموجّه (المربّي)، فإذا كان الموجّه على مستوى جيد من التأهيل والتفاعل والاستقامة والنضج... فإنه يسدّ ثغرة، ويكاد يسدّ أي قصور في العناصر الأخرى، أما إذا كان الضعف في الموجّه نفسه فلن يعوِّض عن ضعفه أي عنصر آخر من عناصر العملية التربوية مهما كان قوياً.
هذا المعنى، وهو تأكيد أهمية الموجّه، قد لحظه القائمون على أمر التربية في الجماعة منذ زمن بعيد، لكن الإجراءات العملية الجادّة التي تؤدي إلى تأهيل الموجّه، لم تكن تواكب القناعة النظرية للمسألة.
الموجّهون في جماعة الإخوان المسلمين في سورية، وربما في غيرها كذلك، يتفاوتون كثيراً في مدى نجاحهم في عملهم التربوي، لكن هذا النجاح يرتبط بظروف الموجّه الفردية أكثر مما يرتبط بجهود هادفة عملت لها الجماعة حتى تجعله مؤهلاً لما يقوم به. فالموجّه الناجح هو الذي أعطاه الله تعالى درجة مناسبة من الحس التربوي والذكاء، وهيأ له ظروفاً جعلته يتتلمذ على بعض العلماء، أو يُكثر من القراءة والمطالعة والبحث، ويندمج مع مجموعة من الأصدقاء ذوي الاستقامة والهمم العالية...
ولم أتعرّض لمسألة مهمة، وهي: ما مقياس نجاح الموجّه؟ أي متى نحكم على موجّه أنه ناجح؟ وما درجة نجاحه؟. وهنا أقول: إن المقياس المتداول هو أن الموجه ينجح بقدر ما يملك من جاذبية تمكّنه من شدّ أفراد الأسرة (المجموعة التي يربّيها)، كما تمكّنه من إحداث آثار إيجابية في شخصياتهم من حيث زرع الولاء في نفوسهم أو تقوية هذا الولاء، ومن حيث تفاعلهم معه وتزوُّدهم - منه أو بإرشاده - بقدر جيد من المعارف والاتجاهات والقيم... التي تناسب فكر الجماعة وتوجهاتها. ويدخل في ذلك العلوم الإسلامية، والوعي السياسي، والتزام التقوى، وتبني مواقف الجماعة، والاشتراك في أنشطتها...


*****


وقد فطن أحد الإخوة الموجهين الناجحين، وهو أبو بكر/ محمد عادل غنوم (رحمه الله)، إلى أهمية تأهيل بعض أبناء الصف ليصبحوا موجهين ناجحين، فحاول، بالتعاون مع بعض إخوانه وزملائه، أن يضع كرّاساً يضمّنه نتائج تجاربه في بناء النفوس وتقويم الاعوجاج، ومعالجة المشكلات... لعل الموجّه الناشئ يفيد من هذه التجارب ولا يبدأ من الصفر!
وكانت ثمرة عمله هذا كراساً باسم "دليل الموجّه"، يقع في نحو أربعين صفحة متوسطة. ولكن، مع الأسف، ضاع هذا الكراس في جملة أشياء كثيرة ضاعت، نتيجة للظروف الأمنية التي مرّت بها الجماعة.
وحيث إني من المهتمين بالعملية التربوية، سواء من حيث الميل الفطري، أو من حيث الخبرة والممارسة، أو من حيث القراءة والبحث في هذا المجال، فقد رأيت من المناسب أن أُخرج مثل ذلك الكراس، على أن أستفيد من كتب علم النفس التربوي بشكل أساس. وقد تعاونت مع أخ مختص بهذا الشأن، هو الأخ مسعف حلفاوي، فاختار رؤوس الموضوعات التي يجب أن يتضمنها الكراس، ثم اختار أفضل الكتب التي أعطت كل موضوع حقّه، ثم قمت بصياغة الكراس مع ملاحظة أن ينطلق من منطلقات إسلامية... وكان أن أنجزت، بفضل الله تعالى الكراس: "كلمات في علم النفس التربوي – دليل الموجّه".
ولا يفوتني هنا أن أذكر أن التأهيل المُجدي للموجه يحتاج إلى اتباع دورةٍ، نسميها دورة الموجّهين، فضلاً عن "التعليم المستمر" الذي يعني متابعة القراءة والبحث ومتابعة الموجّه عنايته بنفسه روحياً وفكرياً وبدنياً، وحضور ملتقيات بين الحين والآخر، تنمّي ثقافة الأخ تربوياً ودعوياً وعلمياً...
والجهد الفردي (الشخصي) في هذا مهم جداً، ولكن يستحسن أن يرفق ذلك بجهد جماعي، بأن تقام دورات تعزيزية قصيرة كل سنة، للموجهين، لا سيما لمن اتبع "دورة موجّهين"، فيقدَّم في هذه الدورات فقرات جديدة، وفقرات سبق تناولها، فتعطى بأسلوب أعمق، فتجمع هذه الدورات بين التذكير والتعمق والتوسع.
وقد أنجزت الجماعة، داخل سورية وخارجها، عدداً من هذه الدورات، لكن ما أنجز لم يكن بما يسدّ الحاجة أو يقاربها، سواء من حيث الحجم والعدد، أو من حيث المستوى.
من أبرز دورات الموجهين ما كان يجري خلال عام 1981م، فقد كانت مدة الدورة حوالي 35 يوماً، وعدد طلابها حوالي 17 طالباً، يقضون جُلّ وقتهم داخل البيت الذي خُصص لذلك، وصار الطلاب يطلقون عليه، تندّراً، "مدرسة الأولياء" وكان البرنامج اليومي يشمل الاستيقاظ قبل الفجر للتهجد، فصلاة الفجر، فقراءة المأثورات، فالرياضة الصباحية، فالفطور، فالدروس، فاستراحة الظهيرة والغداء، فساعات المطالعة الإجبارية المسائية...
وكان المنهاج يتضمن خلاصات عن أهم العلوم الإسلامية والتربوية، وتعريفاً بكتب الشيخ سعيد حوى، وندوات فكرية ودروس دعوية وسياسية.
وجرت بعدئذٍ في فترات مختلفة، وأماكن مختلفة، دورات موجهين أخرى.
إنه لابد من القناعة بأهمية تأهيل الموجّه، واتخاذ الإجراءات الفعالة لتحقيق هذا التأهيل. والله المستعان.


*****


انتخابات الإدارة الجديدة:
استمرت علاقتي بالجماعة، وبإدارة مركز حلب، على ما يرام، مدة سنة أو أكثر. ولما قاربت مدة الإدارة على الانقضاء حدثت بعض أمور.
- أبلغَنا الأخ رئيس الإدارة أن انتخابات الإدارة الجديدة قد اقتربت، ويجب التحضير لها بمنتهى السِّرية. وهذا التحضير يعني، في الدرجة الأولى، إعداد جداول الانتخاب، أي تقرير من يحق لهم أن ينتخبوا (وهم جميع الإخوة من درجة عامل، ودرجة نقيب)، ومن يحق لهم أن يُنْتَخبوا (وهم الإخوة النقباء)، مع تأكيد أن الدعاية الانتخابية غير جائزة.


- حصل أمرٌ يتعلق بذلك، وهو أشبه بالنكتة. فقد زارني الأخ زهير زقلوطة (رحمه الله)، وكان قد ترك الجماعة وأصبح من جماعة مروان. وبادرني بالسؤال: "متى ستتم الانتخابات؟!". لقد نزل عليّ سؤاله كالصاعقة. كيف وصل خبر الانتخابات إليه؟! وأردت أن آخذ هنيهة للمناورة حتى أجد الجواب الذي لا يكشف سرّاً. قلت له: ألا تعلم أن الانتخابات قد جرت منذ زمن بعيد، ونجح حافظ أسد رئيساً للجمهورية بنسبة 99,99% ؟! قال: أتضحك مني؟! أنا أسألك عن انتخابات "الجماعة"، لا عن انتخاب حافظ أسد!. قلت: وما شأنك بانتخابات الجماعة وأنت من "الضشمان"؟! (وهي كلمة عامية، لعل أصلها كردي، ومعناها: الأعداء).
وعلم أنني لن أجيبه، فاكتفى بهذا الجزء من الحديث.
وبقي في نفسي: كيف وصل خبر الانتخابات إليه؟!
عرضتُ الأمر في أول لقاء في الإدارة، فدُهش أعضاء الإدارة، وظهرت الدهشة على أشدها، عند الأخ "عَلَم الدين" فقال: ينبغي أن يُقسم كل منا يميناً على أنه لم يسرِّب الخبر إلى أحد. إذ لا أحد غيرنا يعرف مسألة الانتخابات! قلت: يا أخ علم الدين، لا حاجة إلى يمين وقسَم. الأمر سهل. بإمكاني أن أسأل زهيراً ليخبرني من أين وصل الموضوع إلى علمه؟! وارتاح الإخوة لهذا الحل.
سألت زهيراً عن ذلك فقال: الذي أخبرني هو الأخ محمد عادل غنوم!.
والأخ غنوم صديقي الحميم، وسؤاله ليس صعباً. لذا فقد ذهبت إليه وسألتُه: كيف علم بخبر الانتخابات. قال: لقد أعلمني بذلك الأستاذ علم الدين!! قلتُ: هل هذا معقول؟! قال: "وهل يمكن أن ينكر ذلك؟ لقد كنتُ في زيارته وطمأنني إلى أن انتخابات الإدارة وشيكة، وسوف تظهر إدارة جديدة... ولم يستكتمني على الخبر".
وحين أخبرت الأخ علم الدين بمقولة الأخ غنوم، أُسقط في يده، ولم يُحِر جواباً، سوى أن قال: سامحه الله! لقد ذكرتُ الأمر في سياق آخر.


- اقتربت الانتخابات فعلاً. وحدثت دعاية انتخابية في أكثر من شكل وأسلوب:
فالأخ أبو اليمان أحمد حلمي خوجة أراد أن ينسق معي كي نقوم بدعاية عكسية، أي ضد بعض من يُتوقع نجاحُهم، وهم غير جديرين بذلك (حسب رأي أبي اليمان). فلم أوافقه. فأنا لا أشاطره الرأي في استبعاد هؤلاء!.
والأخ أبو بكر محمد عادل غنوم، المعروف بسَعة اتصالاته، لا سيما بشريحة الشباب، وبكثرة حركته ونشاطه، تبنّى الدعوة والدعاية لبعض المرشحين. وكان ذلك على علم مني.
وربما قام آخرون بدعايات مشابهة.
وحين جرى الانتخاب كنت مسؤولاً عن الإشراف على أحد مراكز الانتخاب، فقمت بما يشبه أن يكون دعاية مضادّة لنفسي، فقد قلت لمجموع الإخوة الناخبين: احرصوا على اختيار من ترونه الأكفأ والأفضل، ولا تغتروا بالشهرة، كأن يكون المرشح من الخطباء أو المدرسين المشهورين، أو ممن قضى مدة في السجون، فهذه الصفات لا تجعل الرجل بالضرورة صالحاً لعضوية الإدارة.
ولما فرزت النتائج كانت المفاجأة. فقد كنتُ الأولَ في حيازة الأصوات. وكان هذا أمراً مستنكراً كل الاستنكار لدى بعض "الكبار". إذ كيف يتقدم عليهم من هو أصغر منهم سنّاً وقدراً وسابقةً وعلماً؟!.
وكان الأخ أبو بكر غنوم يليني في الأصوات، فهو الثاني أو الثالث.
وكان لابد من مخرج من هذه "الورطة". وكان الحل سهلاً، وهو إصدار عقوبة تجميد بحقي وحق أبي بكر، وبذلك تخلو للكبار مواقع الإدارة. وهكذا كان.
وعندما جاء أحد الإخوة يحقق معي قلت له: لا بأس أن تجعلني وحدي المسؤول عن جميع ما حصل من مخالفات، ولكن لن أذكر لك أحداً غيري.
صدر القرار بتجميدي مدة ستة أشهر.
وشُكلت الإدارة الجديدة من الإخوة الذين صاروا أوائل، بعد أن استُبعد اسمي واسم أبي بكر. ووجد في الإدارة عدد ممن تولَّوا إثارة قضيتي. ففي كل لقاء من لقاءات الإدارة كانت تثار المسألة: لماذا عوقب أبو عبيدة؟! إنها تصفية ثارات، وإنها إزاحة لمن تفوق عليكم بالأصوات... بل إن أحد أعضاء الإدارة قال: لقد قمتُ بمثل ما قام به أبو عبيدة تماماً، فإما أن تعاقبوني مثله، وإما أن تلغوا العقوبة عنه.
وكانت المنازعات بشأن الدفاع عني تستهلك نصف أوقات لقاءات الإدارة أو أكثر. وكان الأخ مصطفى ذاكري، أحد أعضاء الإدارة أكثر من ينقل إليّ وقائع ما يجري.
على كل حال أصبحتُ خارج الإدارة، بل أصبحت كأني خارج التنظيم، إذ إن المجمّدة عضويته، لا يمارس أي عمل في الجماعة، ولا يناله أي حق من حقوق العضوية. وكان لابد من تسليم مهمتي، وهي رئاسة جهاز التربية، إلى أخ جديد. وقد كنت أخشى على البناء الذي بذلت فيه وقتي وجهدي وأعصابي... أن يتراجع أو ينهار. لذلك عرضت عليهم أن يبقى الجهاز بيدي وأنا أديره وإن كنت مجمّداً! فقالوا لي: إذاً لا معنى للتجميد! وبالفعل فقد انتقل الجهاز إلى إدارة أخ جديد.
لكن الأخ الجديد، على فضله وذكائه وسعة ثقافته، لم يكن مستعداً لأن يعطي من وقته لعمل الجهاز، ما كنت أعطيه من وقتي، فكان أول قرار له أن ألغى التكليفات التي يقوم بها الإخوة في الجهاز من كتابة البحوث وتقديم الامتحانات... وحدث ما كنت أتخوّف منه.


*****


وأمام الضغوط الشديدة من أعضاء الإدارة، على الجهات الأعلى التي اتخذت قرار عقوبة التجميد بحقّي، خضعت تلك الجهات خضوعين: الأول: أنها نزّلت عقوبة التجميد من ستة أشهر إلى ثلاثة. والثاني: أنه بعد مضي نحو شهرين ونصف (تقريباً بتاريخ 1/12/1398هـ الموافق لـ1/11/1978م)، استدعاني أخ كبير، وهو الأخ أبو أنس /علي صدر الدين البيانوني، وكان عضواً في المكتب التنفيذي (أي في قيادة الجماعة) وأبلغني أن القيادة قد اكتفت بهذا القدر من العقوبة، وأنها تقدِّر فيَّ تلك الروح التنظيمية الانضباطية الأخوية التي تلقيت بها قرار العقوبة.
وهنا أدخلتُ قضيّتي في منعطف جديد، فقد قلت للأخ الكبير: إنّ وصفكم للروح التي تلقيت بها العقوبة، وصف صحيح يوم أن تلقيت العقوبة، أما بعدئذ فلا! قال: كيف؟! قلت: عندما بَلَغَكم بالاعتراف، والاعترافُ سيد الأدلة، أن إخوة آخرين عملوا مثل ما عملت تماماً، فلم تعاقبوهم، ولم ترفعوا العقوبة عني... علمت أن العقوبة لم يبتغَ بها وجه الله!!.
وكانت كلمتي هذه قنبلة فجّرت الموقف، ولم تُبقِ مجالاً للصلح.
وأراد الأخ الكبير أن يستوثق من ولائي بطريقته، فقال لي: أريد أن أعرف إلى أي حد أنت مستعد للسمع والطاعة؟! قلت: أسمع وأطيع ما لم أؤمر بمعصية الله. قال: لا يمكن للجماعة أن تأمرك بمعصية. قلت: نعم، ولكن إذا أمرت بمعصية فلا سمع ولا طاعة. ....
كان هذا اللقاء في بيت الأخ مصطفى ذاكري، في صباح يوم جمعة في أواخر ذي القعدة أو أوائل ذي الحجة، فقد كان الحجاج يتوجهون إلى السفر الميمون.
واحتدم الصراع في نفسي: كيف أبقى في الجماعة ؟! وبالمقابل كيف أترك جماعة هي جزء من كياني وثقافتي، بل هي مجتمعي؟!. فلعل كل من أُصاحب وأُصادق وأحب وأزور...هم من أبناء الجماعة.
ثم انقدحت الفكرة: ألم يحِنِ الوقت لأنتقل إلى جماعة مروان، وهي جماعة إخوانية تضم عدداً من أصدقائي، فأكون كمن خرج من الباب ودخل من الشباك؟!. وارتاحت نفسي لهذا الحل. وذهبت إلى صلاة الجمعة في مسجد عباد الرحمن، حيث يخطب الأخ (الشهيد) موفق سيرجية. وعقب الصلاة، التقيت، قبالة المسجد، الأخ حسني عابو، وأخبرته بأنني "صرتُ معكم"، وطار حسني فرحاً!.
رجعت إلى البيت وكتبت فوراً كتاب استقالة من الجماعة، ضمّنت فيه خلاصة ما جرى بيني وبين الأخ الكبير.
بعد حوالي أسبوعين جاءني جواب القيادة: لم تُقبل استقالتُك!. قلتُ في نفسي: أهذا جواب؟! أهي وظيفة حكومية يمكن إجبار الموظف على الاستمرار فيها؟. لقد تضمن كتابي بعض أفكار واعتراضات على ما صدر من الأخ الكبير الذي يمثل القيادة، أو هكذا أفترض. فإما أن أناقَش من جديد وتقوم علي الحجة، فأتراجع عن استقالتي وأعتذر، وإما أن يقال: إن ذلك الأخ الكبير كان مخطئاً ونحن نعتذر عنه، أو أنك فهمت كلامه خطأ وهاك التصحيح... أما أن الاستقالة مرفوضة فهذا أمر لم أفهمه، لذلك كتبت كتاباً جديداً، شديد اللهجة، تضمَّن أموراً أخرى، لم أعُدْ أذكرها الآن، ولم تَرُدّ عليّ القيادة بشيء.
وبتقديم هذا الكتاب الثاني انقطعت علاقتي التنظيمية بالجماعة، ولم تَعُدْ إلا في مطالع عام 1981م عندما قامت الوحدة بين فصائل الإخوان الثلاث، فدخلتُ الجماعة من جديد، عضواً في القيادة، واحداً من ممثلي "الطليعة".

تنويه:

جميع المواد المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِّر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين

مقالات ذات صلة

معارك حاسمة في رمضان 2 - معارك في رمضان
الأربعاء، 12 شوال 1430 هـ - 30 سبتمبر 2009معارك حاسمة في رمضان 2 - معارك في رمضان
أشرنا في التجديد السابق قبيل شهر رمضان ما حفل به هذا الشهر الكريم من بطولات ومعارك حاسمة ،...
قل كل يعمل على شاكلته - (جيش محمد صلى الله عليه وسلم في سمرقند)
الأربعاء، 12 شوال 1430 هـ - 30 سبتمبر 2009قل كل يعمل على شاكلته - (جيش محمد صلى الله عليه وسلم في سمرقند)
الحمد لله ثم الحمد لله و نشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، و نشهد أن سيدنا ونبينا ...
أسرى بدر ومدرسة التربية - كنتم خير أمة أخرجت للناس
الأربعاء، 12 شوال 1430 هـ - 30 سبتمبر 2009أسرى بدر ومدرسة التربية - كنتم خير أمة أخرجت للناس
الأسرى ومدرسة التربية        روى الإمام أحمد عن أنس(1)، واب...