ولادة مريم وكفالتها وخدمتها لبيت العبادة
(القسم الثاني)
(إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)
السؤال الثالث:
ما الفرق بين دلالة (زوج) و (امرأة) و (بعل) في اللغة؟
الجواب:
استعمل القرآن كلمة (زوج) للدلالة على الرجل أو على المرأة، وهذا هو الأفصح في اللغة.
والزوج هو الذي يشكل مع الثاني زوجين، وتطلق كلمة (الزوج) على الاثنين، ويوحي اللفظ بنوع من المقاربة والتوافق؛ لذلك نجد أنه:
1ـ تأتي كلمة (زوج) في القرآن حين تكون الزوجية هي مناط الموقف كما في آيات [الروم 21، والفرقان 74].
ومع الرسول عليه الصلاة والسلام استعمل القرآن (قُلْ لِأَزْوَاجِكَ) [الأحزاب: 28] فإنها أُضيفت إلى الضمير، ولعلّ فيها ملمح التقريب وهن أزواجه في الدنيا وفي الآخرة، بينما لا يوجد في القرآن زوج فلان، وإنما امرأة فلان.
2ـ فإذا تعطلت آيتها من السكن والمودة والرحمة بسبب خيانة أو تباين في العقيدة فامرأة لا زوج، لأنه لم تعد (امرأة فرعون) المؤمنة تشكل زوجاً مع (فرعون الكافر)، وكذلك الحال مع (امرأة نوح) فلم تعد تستحق أن ترتفع بحيث تشكل مع نوح عليه السلام زوجين، كما في آية يوسف 30، والتحريم 10.
حتى (امرأة العزيز) هي أيضاً امرأة، ومن قال تشاطره؟ ربما كان على جانب من القيم والمُثل ، بينما هي تراود فتاها، إذن لا يناسب استعمال زوج في حالة التباين الواسعة بين الطرفين.
وأما كلمة (امرأة) فهي تعني الأنثى لا غير.
3 ـ وإذا تعطلت حكمة الزوجية في البشر بعقم أو ترمل، فامرأة لا زوج كما في آيات [هود 71 ـ والذاريات 29ـ وآل عمران 35].
4ـ وأما (البعل) فلا يطلق على الرجل حتى يدخل بزوجته، وقد يأتي أيضاً بمعنى السيد، قال تعالى: (أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ) [الصافات: 125]
السؤال الرابع:
وردت كتابة لفظة (امْرَأَتُ) في الآية بالتاء المفتوحة، فما قواعد رسم تاء التأنيث هاءً (تاء مربوطة )؟
الجواب:
اتفق معظم علماء العربية على أن التاء هي الأصل في علامة التأنيث وأن الهاء تخلفها في الوقف، فجاءت معظم الأمثلة لذلك مرسومة بالهاء.
وروي عن بعض النحويين قولهم: إنّ الهاء في المؤنث هي الأصل في الأسماء؛ ليفرقوا بينها وبين الأفعال، فتكون الأسماء بالهاء والأفعال بالتاء.
وانحصرت تفسيرات علماء السلف في رسم تاء التأنيث بالهاء في أنهم بنوا الخط على الوقف، وفي المواضع التي كتبوها بالتاء بنوا الخط على الوصل.
وقيل: مَن وقفَ على تاء التأنيث ورسمها بالتاء، فهو حسب لغة طيء فهم يقولون: حمزَت وطلحَت.
* شواهد قرآنية:
لفظة (رحمة) وردت في المصحف بالهاء 72 مرة، وبالتاء(رحمت) 7 مرات.
لفظة (سُنّة) وردت في المصحف بالهاء 8 مرات، وبالتاء(سُنّت) 5 مرات.
لفظة (نِعمة) وردت في المصحف بالهاء 23 مرة، وبالتاء(نِعمت) 11مرة.
لفظة (كلمة) وردت في المصحف بالهاء19 مرة، وبالتاء(كلمت) 4 مرات.
لفظة (لعنة) وردت في المصحف بالهاء 7 مرات، وبالتاء(لعنت) في موضعين [آل عمران 61ـ النور 7].
لفظة (ومعصيت) وردت في المصحف بالتاء في موضعين في سورة المجادلة: (8و9).
لفظة (مرضات) أينما وقعت.
لفظة (امرأة) وردت في المصحف بالهاء "4" مرات، وبالتاء(امرأت) "7"مرات، مع ملاحظة أن كل امرأةٍ ذُكرت مضافة لزوجها وردت بالتاء المفتوحة، والمواضع السبعة هي:
ـ (امْرَأَتُ عِمْرَانَ) [آل عمران: 35]
ـ (امْرَأَتُ الْعَزِيزِ) [يوسف: 30] و [يوسف: 51]
ـ (امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ) [القصص: 9]
ـ (امْرَأَتُ نُوحٍ وَامْرَأَتُ لُوطٍ) [التحريم: 10]
ـ (امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ) [التحريم: 11]
وجاءت بضع كلمات مرسومة بالتاء في موضع واحد وهي المبينة أدناه، وإذا وردت هذه الكلمات في غير هذه المواضع تكتب بالتاء المربوطة، والكلمات هي:
(شَجَرَتُ الزَّقُّومِ) [الدخان: 43].
(قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ) [القصص: 9].
(بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ) [هود: 86].
(وَجَنَّتُ نَعِيمٍ) [الواقعة: 89] .
(فِطْرَتَ اللَّهِ) [الروم: 30].
وهناك كلمات تُكتب بالتاء المفتوحة حيث وردت وهي ليست تاء التأنيث وهي:
(يَا أَبَتِ) [يوسف4و 100ـ ومريم 42ـ43ـ44ـ45، القصص 26].
(اللَّاتَ) [النجم: 19] .
(هَيْهَاتَ) [المؤمنون: 36].
(ذَاتِ) [الأنفال 7ـ النمل 60].
(وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ) [التحريم: 12].
(وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ) [الأعراف: 137].
السؤال الخامس:
ما دلالات هذه الآية؟
الجواب:
1 ـ (امرأة عمران) واسمها: حنّة بنت فاقوذ، هي أم مريم، وجدّة عيسى عليه السلام، كانت عاقراً لا تلد، وكانت تغبط النساء بالأولاد، ثم قالت: اللهم إنّ لك عليّ نذراّ، إنْ رزقتني ولداً أن أتصدق به على بيت المقدس ليكون من سدنته، وهلك زوجها عمران وهي حامل بمريم.
2 ـ النذر: ما يوجبه الإنسان على نفسه، وكان هذا النذر مشروعاً عندهم، ولم يكن يحرّر إلا الغلمان، لأنّ الجارية لا تصلح لخدمة بيت العبادة، لما ينتابها من الحيض والأذى، إضافة إلى الاختلاط بالرجال، فحررت أم مريم ما في بطنها.
3 ـ (مُحَرَّرًا) معتقاً خالصاً متفرغاً بصورة تامة لخدمة بيت المقدس، وهو منصوب على الحال من (ما). والمحرّر يبقى مقيماً في عمله حتى يبلغ الحلم، ثم يُخيّر، فإنْ اختار الإقامة فيه وإلا ذهب حيث يشاء. والله أعلم.
4 ـ قوله تعالى: (إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) يفيد أنهم كانوا يعدّون أبناءهم لحمل هم هذا الدين قبل أن يولدوا! فما عذر من يمضي عمره دون أن يحدد مشروعه في الحياة؟
بقلم: مثنى محمد هبيان
جميع المواد المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِّر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين