مختارات من كتاب (من روائع البيان في سور القرآن) (الحلقة 291)

مختارات من كتاب (من روائع البيان في سور القرآن) (الحلقة 291)

التصنيف: واحة التفسير
الجمعة، 10 جمادى الأولى 1447 هـ - 31 أكتوبر 2025
71

(قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ)


السؤال الأول:
ما الفرق بين كلمة (ولد) و (غلام) واستخدام الفعل (يفعل) و (يخلق) في قصتي زكريا وعيسى في سورتي آل عمران ومريم؟


الجواب:
في البدء نشير إلى أنّ دراسة هذا المبحث هي في السور والآيات التالية:


سورة آل عمران:
ـ الآيات (39ـ40) قصة زكريا عليه السلام.
ـ الآيات (45ـ47) قصة عيسى عليه السلام.


سورة مريم:
الآيات (7ـ9) قصة زكريا عليه السلام.
الآيات (19ـ20) قصة عيسى عليه السلام.

1ـ (الولد) يطلق على الذكر والأنثى وعلى المفرد والجمع.


2ـ من المؤكد أنّ الفعل (يفعل) أيسر من الخلق، والإيجاد من أبوين أيسر من الإيجاد من أم بلا أب، لذلك استخدم القرآن الفعل الأصعب (يَخْلُقُ) [آل عمران: 47] مع قصة عيسى عليه السلام، والفعل الأيسر مع قصة زكريا عليه السلام، مع أنّ كلا الأمرين سواء، وهو كله هين على الله تعالى.
لذا قال في حقِّ زكريا (يَفْعَلُ) وفي حقِّ مريم (يَخْلُقُ) مع اشتراكهما في بشارتهما بولدٍ، لأنّ استبعاد زكريا لم يكن لأمرٍ خارق، بل نادرٍ بعيد فحسن التعبيرُ بـ (يفعل)، واستبعاد مريم كان لأمرٍ خارقٍ، فكان ذِكْرُ (يَخْلُقُ) أنسب. والله أعلم.


3ـ في بشارة الملائكة لزكريا في الآية 39، جاءت بيحيى ، ويحيى (غلام) فكان الجواب في الآية 40 باستخدام كلمة (غلام).


4ـ أمّا لمّا بشر الله تعالى مريم عن طريق الملائكة بعيسى جاء بـ (بِكَلِمَةٍ مِنْهُ) [آل عمران: 45] و (الكلمة) أعم من (الغلام)، وقد جاء في الآية (إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [آل عمران: 47] ؛ لذا جاء الرد بكلمة (ولد)، والولد يطلق على الذكر والأنثى وعلى المفرد والجمع (إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا) [الكهف: 39] فناسب ذلك، انظر آيات سورة آل عمران (45ـ47).


5ـ في آيات سورة مريم (19ـ20) جاء التبشير باستخدام كلمة (غلام)، فجاء رد مريم باستخدام نفس الكلمة؛ لأن المَلَكَ أخبرها أنه يبشرها بـ (غلام).( الكلام عن عيسى عليه السلام )


6ـ وفي آيات سورة مريم (7ـ9) جاء التبشير والرد بكلمة (غلام). ( الكلام عن يحيى عليه السلام ) .

7ـ قد يقول بعض المستشرقين: إنّ هذا يدل على تناقض في القرآن، فنقول: إنّ البلاغة هي مطابقة الكلام لمقتضى الحال.


السؤال الثاني:
كيف نادت الملائكة زكريا عليه السلام وهو قائم يصلي في المحراب، وأجابها وهو في الصلاة؟


الجواب:
المراد بقوله: يصلي، أي (يدعو).


السؤال الثالث:
ما معنى قوله تعالى في الآية: (مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ


الجواب:
1ـ معنى قوله تعالى: (أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ) أي: بعيسى الذي كان وجوده بكلمة من الله تعالى، وهي (كن) من غير واسطة أب في الوجود، وكان تصديق يحيى بعيسى أسبق من تصديق كل أحد، سواء في الوجود أو الرتبة.


2ـ وكلمة (مُصَدِّقًا) فيها دليل على أنه سيعيش بمنهج الله، وهو كما قال الله عنه: (وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ) أي: ممنوعاً عن كل ما حُرم عليه أو ممنوعاً عن قمة الغرائز وهي الشهوة، وهو نبيٌ قدوة، أي: من صغره سيحصر نفسه عن ارتكاب الشهوات، واستعملت صيغة (فعول) في قوله تعالى: (وَحَصُورًا) للدلالة على التكثير والمبالغة، مثل: غافر وغفور.
وقوله تعالى: (وَسَيِّدًا) أي: النبيل الكريم الوجيه في قومه.


السؤال الرابع:
ما دلالة قوله تعالى: (قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ


الجواب:
لقد دعا زكريا عليه السلام وقام ليصلي وتلقى البشارة بيحيى، وهنا ارتجت الأمور على بشرية زكريا كما قال الله تعالى: (قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ)
إنه أدب النبوة (وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ) ولم يقل: بلغت الكبر، بل قال: إنّ الكبر هو الذي جاءني، وقال: (وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ) وهو تضخيم لطلاقة القدرة عند من يستمع للقصة، لكنْ بعد ذلك يأتي الكلام الفصل بطلاقة القدرة الإلهية (قَالَ كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ).


السؤال الخامس:
ما الفرق بين العقيم والعاقر؟


الجواب:
تشترك الكلمتان (عَقمَ) و (عَقرَ) في الحرفين الأولين (العين والقاف) وتختلفان في الحرف الثالث (الميم أو الراء) وكلا الفعلين يدلان على امتناع الحمل أو الإنجاب، لكن انظر إلى لغة العرب:


1ـ العقر: كيف ننطق الراء؟ الفم مفتوح والراء يتكرر، ويقال: لقحت الناقة عن عُقر، يعني ناقة مضى عليها زمن لم تحمل ثم حملت، قالوا هذه عاقر. إذن العقر قد يعقبه حمل، و (عقر) بالراء، والراء أهون من الميم، وليس فيها غلق.


2ـ العقم: كيف ننطق الميم؟ الميم: الفم مقفل ومجرى النطق الطبيعي أُغلق، ويخرج الصوت من الأنف غنّة من الأنف.
والعُقم هو الداء الذي لا يُبرأ منه، وكلمة العقم لا نتيجة من ورائه، يقال: رحمٌ معقومة، أي: مسدودة لا تنفتح ولا تلد، ويقال: ريح عقيم لا تلقح سحاباً ولا شجراً، ويوم القيامة يوم عقيم؛ لأنه لا يوم بعده، لذلك فالعقر يعالج، أما العقم فليس فيه مجال في الإنجاب.


3ـ قوله تعالى: (قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ) [آل عمران: 40] لمّا قال: (عاقر)، معناه يمكن أن تحمل. ولمّا دعا الله كان يتوقع أن يستجيب الله تعالى له، لكنْ مع ذلك لمّا فوجئ بالبشارة صار متعجباً فقال: (وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا) [مريم: 5] والعاقر يمكن أن تحمل.


السؤال السادس:
ما المراد في الاستفهام في الآية؟


الجواب:
المعنى المراد: كيف يكون لي غلام؟ وجاءت الآية من باب التعجب وليس من باب الشك في صدق الوعد، لكنّ الآية لم تستفهم بـ (كيف) الحالية، وإنما استخدمت (أنّى)، فهل يمكنك أنْ تستخلص معنى المكان الذي وضعت (أنّى) له؟ إنهما مكانان وليس مكاناً واحداً، وهما الكِبر وعدم الإنجاب ويتعذر في هذين المكانين الحمل والولادة.
واعلم أنّ زكريا لفرط سروره بما بُشّر به طلب من ربه علامة يستدل بها على تحقيق هذه الأمنية ، وهذا ما سوف نراه في الحلقة القادمة بإذن الله .
والله أعلم .


بقلم: مثنى محمد هبيان

تنويه:

جميع المواد المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِّر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين

مقالات ذات صلة

مختارات من تفسير "من روائع البيان في سور القرآن" (الحلقة 3)
الخميس، 6 شعبان 1440 هـ - 11 أفريل 2019مختارات من تفسير "من روائع البيان في سور القرآن" (الحلقة 3)
اللمسات البيانية في البسملة [بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ] {الفاتحة:1} السؤال الأول...
مختارات من تفسير "من روائع البيان في سور القرآن" (الحلقة 2)
الأربعاء، 5 شعبان 1440 هـ - 10 أفريل 2019مختارات من تفسير "من روائع البيان في سور القرآن" (الحلقة 2)
  البسملة ومقاصد سورة القاتحة وأسماؤها وفضلها  القرآن الكريم منذ اللحظة التي نزل...
مختارات من تفسير "من روائع البيان في سور القرآن" (الحلقة 1)
الاثنين، 3 شعبان 1440 هـ - 8 أفريل 2019مختارات من تفسير "من روائع البيان في سور القرآن" (الحلقة 1)
  الاستعاذة قال الله تعالى : [خُذِ العَفْوَ وَأْمُرْ بِالعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الجَا...