سؤال وجواب.. من تفسير وتفهيم الكتاب ((6))  سورة البقرة

سؤال وجواب.. من تفسير وتفهيم الكتاب ((6)) سورة البقرة

التصنيف: واحة التفسير
الجمعة، 6 رجب 1447 هـ - 26 ديسمبر 2025
12

سؤال وجواب.. من تفسير وتفهيم الكتاب ((6))

سورة البقرة (4)

من أهم موضوعات السورة: الفرق بين المعجزة والسحر، الرد على ادعاءات اليهود الباطلة، تحويل القبلة، أعظم آية في القرآن، الإيمانُ كلٌّ لا يتجزأ.


ونجمل الكلامَ عن ذلك فيما يأتي من أجوبة السؤال الرئيس. _ تتمة من العقيدة _
..................


س5 ما أهم موضوعات سورة البقرة؟


9. نهى الشارع سبحانه وتعالى عن السحر وتعلمه في الآية: ﴿وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ (102)﴾ ، فهناك فرقٌ واضحٌ بين المعجزةِ والسِّحر، وهو أنّ معجزات الأنبياء عليهم السلام هي على حقائقِها، وبواطنُها كظواهرِها، ويعجز الخلق عن المجيء بمثلها.
أمّا السِّحر: فهو نوعٌ من الحيلة والخدعة البصريّة، لإظهار أمورٍ لا حقيقة لها في الواقع، ويُعْرَف ذلك بالتّأمُّل والبحث، ومن شاء أن يتعلّم ذلك فيستطيع(1).


10. قوله تعالى: ﴿وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ (102)﴾ ، يبينُ أن السِّحر لا يؤثِّر بذاته، وإنما هو مجرَّدُ سببٍ لا يضرُّ إلّا بإذن اللّه جل وعلا.


11. الإشارة في قوله سبحانه وتعالى: ﴿وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (111)﴾ إلى بطلان قول اليهود: "لن يدخل الجنة إلا من كان يهوديًّا"، وقول النصارى: "لن يدخل الجنة إلا من كان نصرانيًّا"، فتلك أكاذيبهم، وقد أجابهم سبحانه بكلمة: "بلى" وهي إيجاب لما نفوا: أي يدخلها من ليس يهوديًّا ولا نصرانيًّا، فدخول الجنة أو النار من شأن اللّه سبحانه وحده، فليس لأحد تصرفٌ في ملكه سبحانه وتعالى.


12. الجنة لها ثمن، ومن ثمنها قوله جل وعلا: ﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ [التوبة: 111]، وقال صلى الله عليه وسلم: «أَلَا إِنَّ ‌سِلْعَةَ ‌اللَّهِ ‌غَالِيَةٌ، أَلَا إِنَّ ‌سِلْعَةَ ‌اللَّهِ الجَنَّةُ»(2)، فالأولى بالمسلمين أن يدفعوا ثمن السلعة، وهو الإيمان والالتزام بالإسلام حلالًا وحرامًا ثم يطلبون الجنة، وهذا ما كان عليه السلف الصالح رحمهم الله تعالى.


13. تربط الأمّةَ الإسلاميّةَ روابط: إلهٌ واحدٌ، ورسول واحد، وكتابٌ واحدٌ، وقِبلةٌ واحدةٌ، قال تعالى: ﴿قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (136)﴾، فالمسلمون وإن تفرّقت أقطارُهم، واختلفت أنسابهم، وألسنتهم، وألوانهم، تجمعُهم هذه الرّوابط، ويجب أن يضحّي كلُّ فريقٍ منهم بمصالحه الخاصّة في سبيل هذه الرّوابط المشتركة.


14. تحويل القبلة من المسجد الأقصى إلى كعبة المسجد الحرام من شأن اللّه تعالى القائل: ﴿قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ (144)﴾؛ إذ جعلها رمزاً لتوجه المسلمين إلى قبلة واحدة وليست حجارة أو صنم، قال سبحانه وتعالى: ﴿جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ﴾ [المائدة: 97]، وقال سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه في الأثر المشهور مخاطبًا الحجر الأسود: "إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك"(3).


15. دلَّ أمره تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً (208)﴾ _أي: الإسلام_ على أن هذا الإسلام كلٌّ لا يتجزّأ، فمن آمن به وجب عليه الالتزام بأوامره ونواهيه كلّها، فلا يختار منها ما يرضاه ويهواه، ويترك ما يخالف نفسه وهواه.


16. حوت السورة على أعظم آي القرآن _آية الكرسي_: ﴿اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ... (255)﴾ ، وهي تدلّ على أنّ اللّه تبارك وتعالى متفرّدٌ بالألوهيّة والسّلطان والقدرة، قائمٌ على تدبير شؤون الكائنات في كلِّ لحظةٍ، لا يغفل عن شيءٍ من أمور خلقِه، وهو مالكُ كلِّ شيءٍ في السّماوات والأرض، لا يجْرُؤ أحدٌ أن يشفعَ لأحدٍ إلّا بإذنه، يعلم كلّ شيءٍ في الوجود، ويحيط علمُه بكلِّ الأمور وأوضاعِ الخلائق دقيقِها وعظيمِها.


17. دلَّ قوله تبارك وتعالى: ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ (256)﴾ ، على أن الإسلام دين الرحمة والرأفة بالمؤمنين وغيرهم، وهذه الآية قاعدةٌ من قواعد الإسلام وأصلٌ من أصوله، وهو أنّ الإيمان باللّه تبارك وتعالى يكون بالإقناع والحجّة والبرهان والدّليل، ولا يفيد فيه الإكراه والإجبار والإلزام، قال سبحانه وتعالى: ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾ [يونس: 99] (4).


18. نستفيد من قصة عزير عليه السلام المذكورة في قوله عزوجل: ﴿أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ ... (259)﴾ أنّ على العاقل ألّا ينكر كلَّ ما يعجز عقلُه عن إدراكه، فعقل الإنسان له حدودُه وطاقتُه الّتي لا يستطيع أن يتخطّاها.
كما أنّ هذه القصّة دليلٌ واضحٌ على إمكان البعث بعد الفناء، والحشرِ بعد النّشرِ من القبور، وأنّه لا مُحيِيَ ولا مُميتَ إلّا اللّهُ تعالى.


19. الإيمان لا يتجزأ، قال تبارك وتعالى: ﴿آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ (285)﴾ ، فالمؤمن يجب عليه أن يؤمن بجميع ما أوحى اللّه سبحانه وتعالى به، وبجميع الأنبياء عليهم السلام، وبجميع الكتب السماوية، لا يفرّق بين أحدٍ منهم، فالمؤمن ليس كاليهود والنصارى الذين يؤمنون ببعضٍ ويكفرون ببعضٍ(5)، ولكن الاتباع والطاعة للرسول محمد صلى الله عليه الصلاة والسلام فقط، وقد حاول بعض أعداء الإسلام والمنافقين أن يطرحوا فكرة: "الدين الإبراهيمي"، وأن "كل الأديان عند اللّه واحدة" وأنّ أيًّا منهم يُتَّبَعُ فهو حق ... كلا، إن هذا افتراء باطل؛ لأن الله تعالى قال: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ﴾ [آل عمران: 19]، ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [آل عمران: 85].



هوامش:

(1) التفسير المنير: 1/274.
(2) سنن الترمذي: أبواب: صفة القيامة، رقم: (2450)، وقال: حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث أبي النضر.
(3) صحيح البخاري: كتاب: الحج، باب: ما ذكر في الحجر الأسود، رقم: (1520).
(4) التفسير الموضوعي لمسلم: 1/341.
(5) ينظر: التسهيل لعلوم التنزيل لابن جزي: 1/133.


بقلم: د. خالد حسن هنداوي

تنويه:

جميع المواد المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِّر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين

مقالات ذات صلة

مختارات من تفسير "من روائع البيان في سور القرآن" (الحلقة 3)
الخميس، 6 شعبان 1440 هـ - 11 أفريل 2019مختارات من تفسير "من روائع البيان في سور القرآن" (الحلقة 3)
اللمسات البيانية في البسملة [بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ] {الفاتحة:1} السؤال الأول...
مختارات من تفسير "من روائع البيان في سور القرآن" (الحلقة 2)
الأربعاء، 5 شعبان 1440 هـ - 10 أفريل 2019مختارات من تفسير "من روائع البيان في سور القرآن" (الحلقة 2)
  البسملة ومقاصد سورة القاتحة وأسماؤها وفضلها  القرآن الكريم منذ اللحظة التي نزل...
مختارات من تفسير "من روائع البيان في سور القرآن" (الحلقة 1)
الاثنين، 3 شعبان 1440 هـ - 8 أفريل 2019مختارات من تفسير "من روائع البيان في سور القرآن" (الحلقة 1)
  الاستعاذة قال الله تعالى : [خُذِ العَفْوَ وَأْمُرْ بِالعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الجَا...