مختارات من كتاب (من روائع البيان في سور القرآن) (الحلقة 296)

مختارات من كتاب (من روائع البيان في سور القرآن) (الحلقة 296)

التصنيف: واحة التفسير
الجمعة، 15 جمادى الآخرة 1447 هـ - 5 ديسمبر 2025
66

(يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ) [آل عمران: 43]


السؤال الأول:
لماذا قال تعالى: (الرَّاكِعِينَ) ولم يقل: الراكعات، مع أنّ الكلام لمريم عليها السلام؟


الجواب:
الركوع ليس خاصاً بالمرأة حتى يقول: (مع الراكعات)، ولكنه أمر عام يشمل الرجل والمرأة.
والعرب في الأمور العامة تغلب الذكور، وقيل: المراد بالصلاة في الجماعة في بيت المقدس مع المجاورين له من الذكور دون أن تختلط بهم.


السؤال الثاني:
ما دلالة تقديم السجود على الركوع في الخطاب لمريم؟


الجواب:
1ـ الأحكام تُذكر عموماً للإناث والذكور إلا إذا كان الحكم خاصاً بالنساء، مثل قوله تعالى مخاطباً مريم في سورة آل عمران: (يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ) [آل عمران: 43] وفي تأخير الركوع هنا دلالة مع أنه يأتي قبل السجود في الصلاة، لأنه تعالى جاء بالكثرة قبل القِلّة؛ لأنّه يوجد في كل ركعة سجدتان وركوع واحد، لذا قدّم السجود على الركوع في الآية.


2ـ وفي الأحكام: على المرأة الاقتداء بالرجال مع التخفّي.


3ـ قدّم السجود، لمعنى أنه الصلاة وأنّ القنوت هو الخضوع والخشوع. فكان التسلسل: الخضوع ثم الصلاة ثم الركوع، وقد يكون سجودهم مقدماً في دينهم على الركوع.


4ـ الواو تفيد الاشتراك ولا تفيد الترتيب.


5ـ أنّ غاية قرب العبد من الله أنْ يكون ساجداً كما جاء في الحديث الشريف «أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد» [صحيح مسلم 482] ؛ لذلك قدّمه على الركوع.


6ـ الصلاة تسمى سجوداً كقوله تعالى: (وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ) [ق: 40] فيكون المعنى: صلي.
فقوله تعالى: (اقْنُتِي) أي: قومي للعبادة وقوله تعالى: (وَاسْجُدِي) أمر بالصلاة في حال الانفراد، وقوله تعالى: (وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ) أمر بالصلاة في الجماعة.


7 ـ قيل: قُدّم الركوع على السجود، لأنه كان ذلك في شريعتهم. والله أعلم.


السؤال الثالث:
لماذا في آية آل عمران كان التدرج من الكثرة إلى القلة؟ ولماذا كان التدرج في آية أخرى من القلة إلى الكثرة كما في آية الحج 77 (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ


الجواب:
1ـ في هذه الآية قال: (وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ) والراكعون مذكّر، وصلاة المرأة في بيتها أكثر، لأنه لمّا قال: (مَعَ الرَّاكِعِينَ) أي: مع (الرجال في المساجد) وصلاتها مفضولة ، ولو صلّت في بيتها لكان أفضل، لذلك لمّا قال: (مع الراكعين) أخّرها وقدّم ما هو أفضل.


2ـ والرسول عليه الصلاة والسلام وجّه بأنْ لا تمنعوا النساء مساجد الله، لكن صلاتها في البيت أفضل.
وفي آية أخرى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [الحج: 77] فبدأ من القلة إلى الكثرة، وهذا بحسب ما يقتضيه السياق.


السؤال الرابع:
وردت كلمة (وَاسْجُدِي) لمريم مرة واحدة في القرآن، فهل تكررت مع غيرها؟


الجواب:
لم تتكرر مع غير مريم عليها السلام ؛ وهناك كلمات عديدة لم تتكرر في القرآن مثل: [الصمد، والنفاثات، والفلق، وغاسق، ووقب، وضيزى]، ولو اقتضى الأمر لكررها.


السؤال الخامس:
ما دلالة جمع المذكر (الرَّاكِعِينَ) في الآية؟


الجواب:
إنّ المخاطَب بهذا الأمر هو مريم، وكان حريّاً أنْ تخاطبها الملائكة بقولهم: واركعي مع الراكعات، ولا يخفى أنّ في ذلك إشارة واضحة إلى فضل السيدة مريم عليها السلام بالإذن لها بالصلاة مع الجماعة، وهذه خصوصية لها من بين نساء بني إسرائيل إظهاراً لمعنى ارتفاعها عن النساء، وهذا هو السر في مجيء (الرَّاكِعِينَ) بصيغة المذكر لا المؤنث.
للعلم: ليس في كتب النصارى ذكرٌ لعِمران ولا لعيسى، ولكنها تبتدئ فجأة بأنّ عذراء في بلدة الناصرة كانت مخطوبة ليوسف النجار، قد حملت من غير زوج.


السؤال السادس:
ورد في آية البقرة 125 ذكر للطائفين والعاكفين والركع السجود، وورد ذلك أيضاً في آية آل عمران 42 وآية الحج [26 و 77] وذكر فيها القائمين لكن مع التقديم والتأخير، فهل من توضيح لهذا الأمر؟


الجواب:
انظر الجواب في آية البقرة 125.


السؤال السابع:
ما الفرق بين الفعلين (قنت) و (قنط)؟


الجواب:
1ـ (قنت) في اللغة تعني خشع، قال تعالى: (يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ) [آل عمران: 43] (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) [النحل: 120].


2ـ أما (قنط) فهي تعني يئس (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) [الزُّمَر: 53].


بقلم: مثنى محمد هبيان

تنويه:

جميع المواد المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِّر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين

مقالات ذات صلة

مختارات من تفسير "من روائع البيان في سور القرآن" (الحلقة 3)
الخميس، 6 شعبان 1440 هـ - 11 أفريل 2019مختارات من تفسير "من روائع البيان في سور القرآن" (الحلقة 3)
اللمسات البيانية في البسملة [بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ] {الفاتحة:1} السؤال الأول...
مختارات من تفسير "من روائع البيان في سور القرآن" (الحلقة 2)
الأربعاء، 5 شعبان 1440 هـ - 10 أفريل 2019مختارات من تفسير "من روائع البيان في سور القرآن" (الحلقة 2)
  البسملة ومقاصد سورة القاتحة وأسماؤها وفضلها  القرآن الكريم منذ اللحظة التي نزل...
مختارات من تفسير "من روائع البيان في سور القرآن" (الحلقة 1)
الاثنين، 3 شعبان 1440 هـ - 8 أفريل 2019مختارات من تفسير "من روائع البيان في سور القرآن" (الحلقة 1)
  الاستعاذة قال الله تعالى : [خُذِ العَفْوَ وَأْمُرْ بِالعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الجَا...