معالم الفتوى في المعاملات المعاصرة في ضوء قرارات مجمع الفقه الإسلامي الدولي

معالم الفتوى في المعاملات المعاصرة في ضوء قرارات مجمع الفقه الإسلامي الدولي

التصنيف: مقالات شرعية
الجمعة، 24 جمادى الأولى 1447 هـ - 14 نوفمبر 2025
36

قدمت هذا المقال منتدباً من معالي أ.د قطب سانو الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي في "المؤتمر الدولي الافتراضي بشأن المنظور الفقهي للتمويل الاجتماعي الإسلامي" الذي عقد في جاكرتا بالتعاون بين مجلس علماء إندونيسيا ومجمع الفقه الإسلامي الدولي.
تمثل قرارات مجمع الفقه الإسلامي الدولي المرجعية الشرعية العليا للصناعة المالية الإسلامية وصناعة الحلال، وتبلغ قرارات المجمع المتعلقة بهاتين الصناعتين قريباً من ثلثي القرارات الصادرة عنه. ومن هذا المنطلق تأتي أهمية هذا المقال.
سيوفر هذا المقال فرصة رائعة للتعرف على جهود المجمع في تقويم منهجية الفتوى وتطبيقات الصناعة المالية الإسلامية، وقد رصد المقال ثمانية معالم للفتوى في ضوء قرارات المجمع.
أتشرف بدعوتكم للبدء بالاطلاع على المقال.

الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد،
أشكر منظمي هذا المؤتمر المبارك، ويسرني أن أكون بينكم منتدبًا من معالي الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي معالي الأستاذ الدكتور قطب سانو حفظه الله. لقد اخترت أن أتحدث عن منهجية الفتوى من خلال قرارات مجمع الفقه الإسلامي الدولي. بعد استقراء العديد من القرارات ذات الصلة رأيت أنه يمكن تحديد ثمانية معالم لمنهجية الفتوى في مجمع الفقه الإسلامي الدولي. سأتناولها بشكل مختصر في هذه الحصة الضيقة من الوقت. ويمكن العودة إلى أصول القرارات التي سأشير إليها لمزيد من التفصيل. كما أنوه بأن أصل المادة باللغة العربية، وتمت ترجمة ملخص لها لغرض هذه الكلمة علمًا أن معظم المصطلحات المستخدمة إن لم يكن كلها هي من العلوم الشرعية المختلفة وهي عربية الأصل.


المعلم الأول: اعتبار مقاصد الشريعة في الاجتهاد
المعلم الثاني: ضوابط إعمال المصالح المرسلة.
المعلم الثالث: ضوابط الأخذ بالرخصة الفقهية.
المعلم الرابع: الاستفادة من تراث الفتاوى الفقهية (النوازل)
المعلم الخامس: الحث على الاجتهاد الجماعي واحترامه في التطبيقات المعاصرة
المعلم السادس: ضوابط الفتوى
المعلم السابع: شروط المفتي
المعلم الثامن: تطبيقات مجمعية في المعاملات المعاصرة


المعلم الأول: اعتبار مقاصد الشريعة في الاجتهاد
مقاصد الشريعة هي المعاني والحكم العامة والغايات التي قصد الشارع إلى تحقيقها من تشريع الأحكام جلباً لمصالح العباد في الدنيا والآخرة. يرى المجمع أن استحضار المقاصد في الاجتهاد يساعد في النظر الشمولي لنصوص الشريعة وأحكامها، ويعد من المرجحات عند اختلاف الفقهاء، ويساعد على التبصر بمآلات أفعال المكلفين وتطبيق الأحكام عليها. وأشار المجمع بأن الإعمال الصحيح للمقاصد لا يعطل دلالة النصوص الشرعية والإجماعات الصحيحة (القرار 167).

المعلم الثاني: ضوابط إعمال المصالح المرسلة
المصلحة المرسلة: هي التي لم ينص الشارع عليها بعينها أو نوعها بالاعتبار أو الإلغاء، وهي داخلة تحت المقاصد الكلية. وقد قسم العلماء المصالح من حيث درجة اعتبارها إلى الضروريات والحاجيات والتحسينات. وأكد المجمع على ضوابط إعمال المصلحة وهي: أن تكون حقيقية لا وهمية، كلية لا جزئية، عامة لا خاصة، لا تعارضها مصلحة أخرى أولى منها أو مساوية لها، ملائمة لمقاصد الشريعة (القرار141).

المعلم الثالث:
ضوابط الأخذ بالرخصة الفقهية
المراد بالرخص الفقهية ما جاء من الاجتهادات المذهبية مبيحاً لأمر في مقابلة اجتهادات أخرى تحظره. والأخذ برخص الفقهاء يعنى اتباع ما هو أخف من أقوالهم وهو جائز، إذا كانت أقوال الفقهاء معتبرة شرعًا، ولم توصف بأنها شاذة، وكانت هناك حاجة للرخصة دفعًا للمشقة، وأن يكون الآخذ بالرخصة أهل لذلك، وألا يترتب على الأخذ بالخرصة تلفيق ممنوع، أو يكون ذريعة إلى غرض غير مشروع (القرار70).

المعلم الرابع:
الاستفادة من تراث الفتاوى الفقهية (القرار 104)
يشجع المجمع على الاستفادة من تراث الفتاوى الفقهية (النوازل) بمختلف أنواعها لإيجاد حلول للمستجدات المعاصرة سواء فيما يتعلق بمناهج الفتوى في ضوء ضوابط الاجتهاد والاستنباط والتخريج والقواعد الفقهية، أو فيما يتعلق بالفروع الفقهية التي سبق للفقهاء أن عالجوا نظائر لها في التطبيقات العملية في عصورهم.

المعلم الخامس: الحث على الاجتهاد الجماعي واحترام قرارات المجمع في التطبيقات المعاصرة:
بما أنّ كثيرًا من القضايا المعاصرة هي معقدة ومركبة فإنّ الوصول إلى معرفتها وإدراك حكمها يقتضي أن تكون الفتوى جماعية، ولا يتحقق ذلك إلا بالرجوع إلى هيئات الفتوى ومجالسها والمجامع الفقهية. وقال بأن الأصل في الفتوى أنها غير ملزمة قضاء، إلا أنها ملزمة ديانة فلا يسع المسلم مخالفتها إذا قامت الأدلة الواضحة على صحتها، ويجب على المؤسسات المالية الإسلامية التقيّد بفتاوى هيئاتها الشرعية في إطار قرارات المجامع الفقهية. ويوصي المجمع بدوام التواصل والتنسيق بين هيئات الفتوى في العالم الإسلامي للاطلاع على مستجدات المسائل، وحادثات النوازل (القرار 153). ويدعو المجمع القائمين بالإفتاء من علماء وهيئات ولجان إلى أخذ قرارات وتوصيات المجامع الفقهية بعين الاعتبار، سعيا إلى ضبط الفتاوى وتنسيقها وتوحيدها في العالم الإسلامي (القرار 104)

المعلم السادس: ضوابط الإفتاء
يرى المجمع أن على المتصدرين للفتوى مراعاة، الالتزام بالأدلة الشرعية، والتزام قواعد الاستدلال والاستنباط، والاهتمام بترتيب الأولويات في جلب المصالح ودرء المفاسد، ومراعاة فقه الواقع والأعراف والبيئات والظروف الزمانية التي لا تصادم أصلاً شرعيًا، ومواكبة أحوال التطور (القرار 104). ولا عبرة بالفتاوى الشاذة المصادمة للنصوص القطعية والإجماعات الصحيحة (القرار153).

المعلم السابع: شروط الـمُفتي
يشترط فيمن يتولى الإفتاء العلم بالكتاب والسنة، وما يتعلق بها من علوم، والعلم بمواطن الإجماع والخلاف، والمعرفة التامة بأصول الفقه ومبادئه وقواعده ومقاصد الشريعة، والعلوم المساعدة مثل: النحو والصرف والبلاغة والمنطق، والمعرفة بأحوال الناس وأعرافهم، والقدرة على استنباط الأحكام الشرعية من النصوص، والرجوع إلى أهل الخبرة في التخصصات المختلفة. ولا تؤخذ الفتوى من غير المستوفين لهذه الشروط. وعلى المفتي أن يكون مخلصا لله تعالى، ذا وقار وسكينة، متصفًا بالورع ومراقبة الله تعالى. (القرار 153، 104).

المعلم الثامن: تطبيقات في المعاملات المعاصرة
يرى المجمع أهمية إعمال مقاصد الشريعة في تنزيل الأحكام الشرعية على الواقعات والنوازل للمعاملات المالية المعاصرة وغيرها لتحقيق التميز في الصيغ والمنتجات الإسلامية واستقلالها عن الصيغ التقليدية. (القرار 167). على مستوى الصكوك مثلاً أكد المجمع على ضرورة أن تخلو هيكلة الصكوك من الحيل والصورية والمآلات الممنوعة، وأن تختلف جوهريًا عن السندات الربوية (القرار 188). وعلى مستوى أدوات التحوط أكد المجمع على ضرورة ألا تكون ذريعة إلى الربا والغرر، وضمان رأس المال، وتداول الديون بغير قيمتها الاسمية (القرار 224). وعند تناول موضوع الغلبة والتبعية أكد المجمع على أنه لا يجوز أن يتخذ القول بأحكام التبعية ذريعة إلى تصكيك الديون وتداولها (القرار 226).

وفي الختام أشكركم على استماعكم، والحمدلله رب العالمين.


د. عبدالباري مشعل
خبير في الاقتصاد الإسلامي-الولايات المتحدة الأمريكية

تنويه:

جميع المواد المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِّر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين

مقالات ذات صلة

تعريف بموسوعة مَعْلَمة القواعد الفقهية
الخميس، 16 صفر 1443 هـ - 23 سبتمبر 2021تعريف بموسوعة مَعْلَمة القواعد الفقهية
إعداد: د. إبراهيم محمد الحريري الخبير بمعلَمَة القواعد الفقهية (مجمع الفقه الإسلامي بجدة)...
الأخذ بالرخصة
الخميس، 16 صفر 1443 هـ - 23 سبتمبر 2021الأخذ بالرخصة
            كتبه: طه محمد فارس   الرخصة في اللغة: اليس...
(لا يفتي قاعدٌ لمجاهد) قاعدة فقهية أم بدعة محدثة
الخميس، 16 صفر 1443 هـ - 23 سبتمبر 2021(لا يفتي قاعدٌ لمجاهد) قاعدة فقهية أم بدعة محدثة
  التأصيل الشرعي: إنَّ مقولةَ ( لا يفتي قاعدٌ لمجاهد) ليست مِن القواعد الفقهية، أو ال...