الأستاذ الداعية المربي المجاهد محمد فاروق بطل.. صفحات من ذكرياته (20)

الأستاذ الداعية المربي المجاهد محمد فاروق بطل.. صفحات من ذكرياته (20)

التصنيف: علماء دعاة مربون
الجمعة، 2 شعبان 1446 هـ - 31 جانفي 2025
18
محمد فاروق بطل...
محمد فاروق بطل...
الميلاد :1936 - 05 - 13- الوفاة :2024 - 07 - 24

تتمة الحديث عن .. أساتذتي في الدراسات الجامعية


7ـ الأستاذ الدكتور الموسوعي عبد الكريم اليافي ـ حفظه الله تعالى ـ
درست معه علم الاجتماع في كلية الشريعة، دخل علينا ذات يوم قاعة المحاضرات، فرأينا منه عجباً، إذ وقف صامتاً!! وتوجه إلى أحد زملائنا، فقال له: أعتذر إليك أن أقف أمامك أستاذاً وأنت طالب!! وقد كنتَ أستاذاً لي في المرحلة الابتدائية، إنني أفتخر بك، إذ لم يمنعك سنُك ـ وقد تجاوزت الخمسين ـ أن تتابع دراستك الجامعية، آملاً بتطوير ثقافتك وتحسين وضعك، شكراً لك هذا الطموح، فأنت في نظري طالب مثالي عصامي، كان الزميل ـ الذي نسيت اسمه ـ من مدينة حمص، والدكتور اليافي هو الآخر من مدينة حمص، وكان اللقاء بينهما في أحد مدرجات كلية الشريعة، مظهراً مؤثراً، بل كان موقفاً تربوياً رائعاً، يحكي تواضع الأستاذ العلامة عضو مجمع اللغة العربية في دمشق، وأحد رواد علم الاجتماع، وأحد المثقفين الكبار على مستوى سورية، كما يحكي طموح أخ كريم، لا يعوقه السن ولا الفقر أن يتابع دراسته، وأن يجلس في مقعد الدرس أمام تلميذه السابق، إنها صورة نادرة ومشهد نموذجي.

وحين انتسبت إلى كلية الآداب ـ قسم الفلسفة ـ درست كتابيه: علم الاجتماع، وعلم الجمال (الإستيطيقا)، وقد تمتعت بدارسة الكتابين، وبخاصة الكتاب الأول.


8 ـ الأستاذ الدكتور يوسف العش ـ رحمه الله تعالى ـ
كان الدكتور العش أستاذ التاريخ في كلية الآداب بجامعة دمشق، فنُقِل إلى ملاك كلية الشريعة، ليدرسنا مادة التاريخ الإسلامي، وقد كان حصل على شهادة الدكتوراه من ألمانيا، فلما بدأ تدريسنا، أخذ يقدم لنا كراسات في التاريخ يترجمها لمؤرخ ألماني أظن اسمه(وِلها وزن) فلما قرأنا منه الصفحات الأولى، لاحظنا منهجاً مادياً غربياً علمانياً في تفسير أحداث التاريخ الإسلامي، بدءاً من مراحله الأولى، بل لاحظنا النَفَس الاستشراقي الصليبي فيما قرأنا، ناقشنا الدكتور فيما أورد من أفكار استشراقية، وتحليلات وتفسيرات خاطئة، فأصرَّ على تدريس هذا الكتاب المترجم ـ على ما يتمتع به الدكتور العش من أدب جم، وخُلُق رفيع، وتواضع كبير، وهدوء وديع ـ وراجعنا عميد الكلية الدكتور مصطفى السباعي ـ رحمه الله تعالى ـ فطلب إلينا تزويده بما أُنجِز من ملازم الكتاب المترجم. وصُدِم الدكتور السباعي بما يكتبه المؤرخ الألماني المستشرق، وسرعان ما عالج الأمر، فخيَّر الدكتور العش بالتالي: إما أن يؤلف كتاباً في التاريخ الإسلامي، أو أن يختار كتاباً مأموناً في المادة، فأجاب الدكتور العش إلى الطلب الأول، فأخذ يؤلف في التاريخ للدولة الإسلامية الأموية، وقد اجتهد في تطبيق قواعد علم الحديث من حيث مناقشة الروايات والتوفيق بينها، وتقويم الرواة وفق علم الجرح والتعديل، وهكذا جاء كتاباً رائعاً غير مسبوق ـ في رأيي ـ. وتلك كانت إحدى أماني الشهيد سيد قطب ـ رحمه الله تعالى ـ الذي كان يدعو وبإلحاح إلى إعادة صياغة التاريخ الإسلامي، والإفادة مما قعَّده علماء الرواية والجرح والتعديل، ومما خُدم به حديث رسول الله ^.
ولقد أفدنا من أستاذنا الدكتور العش من طريقته في الإلقاء، وإعداد البحوث، وكان يكلفنا بإعداد بحوث نلقيها على زملائنا في قاعة المحاضرات، يناقشنا فيها هو، كما يناقشنا الطلبة. تولى الدكتور العش عمادة كلية الشريعة، فهو العميد الثالث منذ تأسست كلية الشريعة عام /1955/ بعد السباعي والمبارك ـ رحمهم الله تعالى ـ.

9 ـ الفقيه الأصولي الأستاذ الدكتور فوزي فيض الله
الأستاذ الدكتور فوزي فيض الله ـ أمد الله في عمره ـ وكتب له الصحة والعافية
عام /1956م/ عُيِّن الشيخ فوزي معيداً في كلية الشريعة، وكان يحمل عدة تخصصات من الأزهر وغيره في الشريعة واللغة العربية والحقوق. درَّسنا كتاب الهداية في الفقه الحنفي، وهو ـ بالنسبة إلينا كطلاب ـ كان صعب الفهم، غامض العبارة، مبهم المعنى، وكان للشيخ الفضل ـ بعد الله ـ في كشف غوامض هذا الكتاب، وحل ألغازه، وكشف كنوزه، بشخصيته الشابة، وعباراته المتأنقة، وعرضه الشيق، ولغته الأدبية، وثقافته المتنوعة، وأسلوبه الهادئ.
خمس وثلاثون سنة كنت أُمنِّي النفس بلقياه ـ شوقاً وتقديراً ووفاء ـ وزرت الكويت أكثر من مرة، وسعيت للقائه عن طريق الأخ المهندس محمد نور سويد ـ حفظه الله ـ ثم شاء الله أن يكرمني بزيارته في منزله بالكويت عام /2005/ فرأيت فيه شيخاً وقوراً، أنيقاً، وذاكرته بفضل الله طيبة، استعرضنا بعض الذكريات من أيام جامعة دمشق.
والأستاذ الدكتور فوزي يعمل مستشاراً فقهياً لبعض المؤسسات الاقتصادية في الكويت، وقد جاوز الثمانين ـ أمد الله في عمره ـ لكني قبل أن أختم الحديث عنه أقول: من شدة إعجابي بالشيخ، وبروز ملكته الفقهية المبكرة كنت أتوقع، ومنذ الخمسينات من القرن الماضي أن يكون أحد عمالقة الفقه الإسلامي المعاصر، وأن تكون له مؤلفاته الرائدة وإنتاجه العلمي المميز، يساعده على ذلك تخصصاته المتعددة شريعة وآداب وحقوق في أعلى مستوياتها، ويساعده على ذلك تفرغه الكامل، وبعده عن النشاطات العامَّة... أستغفر الله عما قلت، وأعتذر لتلاميذ الشيخ عن ذلك، فإنني أعتقد أن للعلامة الشيخ فوزي من المؤهلات ما يمكنه ـ بإذن الله ـ أن يكون في ميدان الفقه كالشيخ محمد أبو زهرة، والشيخ مصطفى الزرقا، والشيخ القرضاوي وغيرهم... ولكن كلٌ ميسَّرٌ لما خُلِق له.

10 ـ الفقيه الأصولي الأستاذ الدكتور فتحي الدريني
ما حكيته عن الأستاذ الدكتور فوزي فيض الله، يكاد ينطبق تماماً على الأستاذ الدريني... فقد كان شاباً فصيحاً، وأستاذاً ناجحاً، وعالماً محققاً، دخل كلية الشريعة معيداً، لكنه تألق في تدريسنا مادة أصول الفقه.
ما تمنيتُه بالنسبة لأستاذنا د.فوزي، تمنيتُه كذلك بالنسبة لأستاذنا الدريني أن يبرز في علوم الفقه والأصول والسياسة الشرعيَّة، فقد أعطاه الله من المؤهلات ما يهيئه لذلك من ملكة فقهية، ونضج مبكر، وتخصصات متكاملة في الفقه والأدب والقانون، مع التفرغ الكامل(1) ـ على ما أظن ـ.

10ـ أساتذة آخرون
وأساتذة آخرون أصحاب فضل وعلم، لكن ليس ثمة ذكريات شخصية بيني وبينهم إلا مقاعد الدراسة وهم:
1ـ العلامة الأستاذ الشيخ بهجت البيطار درَّسنا علوم الحديث.
2ـ العلامة الأستاذ الشيخ محمد المنتصر الكتاني مغربي الجنسية درَّسنا سبل السلام للإمام الصنعاني في فقه الحديث.
3ـ الأستاذ الدكتور زكي عبد البر مصري الجنسية درَّسنا الفقه.
4ـ الأستاذ الدكتور عدنان السبيعي درَّسنا الفلسفة.
5ـ الأستاذ الدكتور صالح الأشتر دَّرسنا النحو العربي.
6ـ الأستاذ الدكتور فؤاد حمودة ـ رحمه الله تعالى ـ مصري الجنسية درَّسنا اللغة الإنجليزية.
7ـ الأستاذ الدكتور عدنان الخطيب ـ رحمه الله تعالى ـ درَّسنا القانون.
8ـ الأستاذ الدكتور شعبان مصري الجنسية درَّسنا الفقه.
9ـ الأستاذ الدكتور سعاد جلال مصري الجنسية درَّسنا الفقه.
10ـ الأستاذ الدكتور مصطفى زيد مصري الجنسية درسنا التفسير.

يتبع في الحلقة الحادية والعشرين، ونتحدث فيها عن كلية التربية وأساتذتي فيها



(1) مرة أخرى أعتذر، فقد يكون السبب هو تقصيري في عدم متابعتي إنتاجهما العلمي، وهو عتب التلميذ المحب الذي يحمل كل تقدير لمثل هؤلاء الأساتذة الأجلاء.

تنويه:

جميع المواد المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِّر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين