الأستاذ الداعية المربي المجاهد محمد فاروق بطل.. صفحات من ذكرياته (21)

الأستاذ الداعية المربي المجاهد محمد فاروق بطل.. صفحات من ذكرياته (21)

التصنيف: علماء دعاة مربون
الاثنين، 5 شعبان 1446 هـ - 3 فيفري 2025
20
محمد فاروق بطل...
محمد فاروق بطل...
الميلاد :1936 - 05 - 13- الوفاة :2024 - 07 - 24

تتمة الحديث عن .. أساتذتي في الدراسات الجامعية


ب ـ كلية التربية وأساتذتي فيها
قبل أن أتحدث عن أساتذتي في كلية التربية، أود التعريف بهذه الكلية وبقصة انتسابي إليها:


أولاً: التعريف بالكلية:
الدراسة فيها نوعان:
أ ـ دراسة تخصصية:
هي للطلبة حاملي الشهادة الثانوية، للتخصص في علوم التربية وعلم النفس ونيل درجة (الليسانس ـ أو البكالوريوس). مدة الدراسة:أربع سنوات (في أيامنا) ككل كليات جامعة دمشق باستثناء كلية الطب.
ب ـ دراسة تأهيلية أو عليا:
1ـ بالنسبة للدراسة التأهيلية، تمنح الكلية دبلوماً عاماً في التربية يؤهل للتخصص في التدريس لمرحلة التعليم الثانوي، ولذلك كان يُسمَّى دبلوم أهلية التعليم الثانوي، أو دار المعلمين العليا، مدته سنة واحدة، ويدخله حملة البكالوريوس أو الليسانس من شتى التخصصات الجامعية باستثناء الطب والهندسة والحقوق، أي تخصصات مواد الدراسة الثانوية.
2ـ وبالنسبة للدراسة العليا يمنح دبلوماً خاصاً في التربية تمهيداً لمتابعة الماجستير، ثم الدكتوراه في التربية، وفي أيامنا لم يكن لدى كلية التربية دراسات عليا إلا الدبلوم الخاصَّة.
وبالنسبة لي فقد حصلت على شهادة الدبلوم العامَّة، أو شهادة أهلية التعليم الثانوي سنة /1960/، بعد تخرجي من كلية الشريعة سنة /1959/م.

ثانياً: قصة انتسابي لهذه الكلية عام /1959/:
بعد تخرجي من كلية الشريعة، كانت تحكمني عقدة وضعي الصحي، ووَهْم ركبني وسيطر عليَّ، مفاده: أنني لا أصلح للتدريس بسبب الوضع الصحي، لذلك فكرت أولاً بالبحث عن وظيفة إدارية، وحين فشلت في تحصيلها(1)، اتجهت للانتساب إلى كلية التربية، للحصول على الدبلوم العامَّة، لأنه يعفيني من التقدم للمسابقة التي تجريها سنوياً وزارة التربية لاختيار مدرسين في مختلف المواد، وللمرحلتين الإعدادية والثانوية، فهرباً من هذه المسابقة، وخشية من رفضي من قبل لجنة المسابقة، قدمت أوراقي للحصول على شهادة الدبلوم العامَّة، ولكن ما لم أكن أتوقعه، أن أُصدَم من قبل وكيل الجامعة خالد بيك(2) الذي قال لي بجلافة: أنت لماذا تقدم لي هذه الأوراق؟! قلت: أقدمها للحصول على أهلية التعليم الثانوي والانتساب إلى كلية التربية، قال: هذه شهادة من أجل التأهيل للتعليم، وأنت بوضعك الصحي لا تصلح!! ناقشته، جادلُته، رجوتُه... أن لا يبدِّد أملي، فرفض المصادقة، أو التوقيع، وعدتُ حزيناً لمسؤول الشؤون الإدارية في الجامعة خالد أفندي، فكان ودوداً لطيفاً، عكس الأول تماماً. قال: عجيب!! ما علاقته بهذا الموضوع؟! وكيف يقول لك مثل هذا الكلام؟ وتحوقل، ثم تأسَّف، ثم قال: اذهب إلى اللجنة الصحية، فهي صاحبة الشأن والقرار،وحوَّل الأوراق إليها، لتقول رأيها، وفعلاً ذهبت، فاستغرب رئيس اللجنة الصحية، وقال ما علاقة صلاحيتك للتدريس بوضعك الصحي؟! ثم وقَّع على الأوراق؛ أن ليس ثمة عائق صحي يحول دون مهمة التدريس أو أهليتي له.
وهكذا تابعت الدراسة في كلية التربية ـ بفضل الله تعالى ـ ثم بفضل مساعدة الكرام أصحاب القلوب الطيبة ـ جزاهم الله عني، وعن طلابي الذين درستُهم خلال أربعين سنة أو يزيد، وأفادوا مني كل خير بتوفيق الله سبحانه ـ وحصلت على شهادة الدبلوم العامة، وعُيِّنت مدرساً، دون الدخول في مسابقة، ودون احتمال اعتراض أعضاء اللجنة، ولكن حاصرتني مشكلة أخرى، سأرويها في فصل: العمل والوظيفة وكد العيش.

ثالثاً: أساتذتي في الكلية:

* ثمة ملاحظتان:
1ـ معظم أساتذة الكلية، أوكلهم، تخرجوا من جامعات أوروبية، وبخاصة فرنسا، ممن أوفدهم ميشيل عفلق كبعثيين ـ حين تسلم وزارة المعارف في سورية في الخمسينات من القرن الماضي ـ في عهد سامي حناوي قائد الانقلاب على حسني الزعيم، عادوا يحملون الفكر الغربي العلماني، مطعَّماً بالفكر القومي الاشتراكي أو الفكر الشيوعي الماركسي.
2ـ ومعظم هؤلاء الأساتذة، تعاقبوا على تسلم حقيبة وزارة التربية، وخاصة بعد قيام حركة /8/آذار/1963/ وتسلم حزب البعث للحكم، واستئثاره به، ومن ثَمَّ فإنهم قادوا انحراف العملية التربوية، لتصبح تربية قومية علمانية مادية غربية تتنكر للقيم التربوية الإسلامية، وللنهج التربوي الإسلامي، علماً أن معظم هؤلاء أبناء علماء مشايخ للأسف!! مثل عبد الله عبد الدائم وحافظ الجمالي وسامي الدروبي وقد قال الله سبحانه لسيدنا نوح:[قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الجَاهِلِينَ] {هود:46}..


* وأبرز الأساتذة في الكلية هم:
1ـ الأستاذ الدكتور جميل صليبا عميد الكلية، وأستاذ مادة تاريخ التربية، والمشرف على بحثي للتخرج، وعنوانه:«القضاء والقدر في ثوب جديد». كانت له مذكرة في مادته واختصاصه.
2ـ الأستاذ الدكتور فاخر عاقل أستاذ مادة علم النفس التربوي له كتاب في المادة.
3ـ الأستاذ الدكتور مصطفى فهمي أستاذ مادة الصحة النفسية ومادة سيكولوجيا الطفولة والمراهقة، وهو مصري درَّسَنا كتاب أسس الصحة النفسية للدكتور عبد العزيز قوصي.
4ـ الأستاذ الدكتور عبد الله عبد الدايم أستاذ مادة التربية المقارنة.كانت له مذكرة.
5ـ الأستاذ الدكتور نعيم الرفاعي أستاذ مادة فلسفة التربية. كان لديه مشروع كتاب، تُوزَع علينا كراساته.
6ـ الأستاذ الدكتور جودت كيال أستاذ مادة الصحة المدرسية، كانت لديه مذكرة.
7ـ الأستاذ حافظ جمالي، لا أذكر المادة التي درسني إياها.
8ـ الأستاذ الدكتور سامي الدروبي، لا أذكر المادة التي درَّسني إياها.
9ـ الأستاذ الدكتور كامل عياد، درسنا مادة تاريخ التربية على ما أذكر، لكن أذكر أنه كان قد سُرِّح من التدريس في عهد الشيشكلي بسبب شيوعيته، فافتتح كشكاً صغيراً في المرجة، قرب مجلس الوزراء، يبيع الدخان والأشياء البسيطة، وعلق شهادة الدكتوراة(3) في فلسفة التربية على الجدار، ويا لقبح الدكتاتورية والنظام العسكري!!.
على الرغم مما كان بين بعض الطلاب الإسلاميين وهؤلاء الأساتذة من تباين في التفكير والانتماء، فقد كان الجو الدراسي ماتعاً بالحوار والنقاش، خاصَّة وأن الدوام كان إجبارياً، أذكر من زملائي في هذه الكلية الدكتور أحمد محب الدين أبو صالح، والدكتور فخر الدين قباوة، والدكتور نهاد حموي، والدكتور أبو كاظم، والدكتور صابر فلحوط، والأستاذ عبد الوهاب ريحاوي، والأستاذ نجم الدين زين العابدين، والأستاذ محمد الحسناوي، وغيرهم ممن لم تسعفني الذاكرة في ذكر أسمائهم.

جـ ـ كلية الآداب جامعة دمشق
قسم الفلسفة والاجتماع /1964/:
كان الانتساب لهذه الكلية وهذا القسم، نصيحة من أستاذي السباعي ـ رحمه الله تعالى ـ. ذلك أنه في هذه الفترة، كان الصراع على أشده ما بين الاتجاه الإسلامي والاتجاه العلماني( قومي ـ شيوعي ـ بعثي...)، وحول هذين التيارين تتجمع أحزاب وكتل، ورغبة مني في تحصين فكري الشرعي والإسلامي، وحتى أكون أكثر قدرة على عرض دعوتي وفكري بأسلوب حديث ومعاصر، انتسبت إلى هذه الكلية، وهذا القسم، خاصَّة وأنني رأيت زحفاً غير معهود على هذا القسم من قبل القساوسة والرهبان، والشباب العلماني، ولما كنت أحمل إجازة في الشريعة، فقد أُعفِيتُ بقرار من الكلية من السنة الأولى، وباشرت دوامي في السنة الثانية، ولكنني وبسبب عدم تفرغي، ولسبب آخر سأذكره، توقفت عن المتابعة في دراسة مواد قسم الفلسفة والاجتماع، وبالتالي لا أذكر من أساتذة هذا القسم إلا الدكتور عبد الكريم اليافي، الذي تمتعت بدارسة كتابيه المقررين: تمهيد في علم الاجتماع، وكتاب علم الجمال( الاستطيفا). وأذكر أيضاً الدكتور العوَّا الذي حكى لنا ـ وقد رأى إهمال الطلبة وعدم جديتهم العلمية ـ قال: حين كنا أمثالكم على مقاعد الدراسة، ورأى منا أحد أساتذتنا تقصير بعض الطلبة قال: وزارة التربية تأخذ مفتشاً أو اثنين أو ثلاثة... ولكنها لا تستطيع أن تأخذكم جميعاً مفتشين إشارة منه إلى الأساتذة الفاشلين الذي يُعيَّنون مفتشين علاجاً لمشكلة فشلهم وإنقاذاً للطلبة ـ إلا ما رحم الله ـ.

يتبع في الحلقة الثانية والعشرين، ونتحدث فيها عن كلية الحقوق وأساتذتي فيها..


(1) ولها قصة ذات عبرة حكيتها في مكانها أرجو الرجوع إليها.
(2) هكذا كان الأمر في زماننا لابدَّ أن تعرف لكل مسؤول حكومي لقبه: (فخامة ـ دولة ـ معالي ـ عطوفة ـ سعادة ـ سيادة ـ سماحة ـ بيك ـ افندي...).
(3) وقد حصل عليها من السوربون في فرانسا.


تنويه:

جميع المواد المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِّر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين