برنامج في إذاعة القرآن الكريم
قدَّمت في إذاعة القرآن الكريم بجدة برنامجين:
1ـ برنامج كنت أتحدث فيه عن منهج الإٍسلام في تحقيق الإصلاح الاجتماعي، استمر قرابة سنة.
2ـ برنامج أبطال الإسلام: استمر سبع سنوات، وأذعت منه قرابة /350/ حلقة، مدة الحلقة عشر دقائق، كان يذاع صباح الأربعاء من كل أسبوع، الساعة السابعة والنصف.
كان البرنامج محل مدح وتقدير، وقد حكى لي الأخ الأستاذ الدكتور الشيخ محمد مللا خاطر إعجابه بالبرنامج، وأنه سمع بنفسه تقويماً ممتازاً له من الإذاعة.
ورغم توقف البرنامج منذ سنوات، فإنه لا زالَ يذاع في موسم رمضان وموسم الحج.
كنت بحمد الله أتناول ترجمة الصحابي لا كتاريخ، وإنما كسيرة دعوية وحركية وإيمانية وأخلاقية وسلوكية وجهادية.
وقد كنت حريصاً أن أترجم للصحابة المغمورين، أعني الصحابة الذين لم ينتشر ذكرهم، ولم يذع صيتهم، ذلك أن كتب التراجم كتبت الكثير والكثير عن الصحابة المشهورين، فأردتُ أن أعرف الأجيال المسلمة بهذا الجيل الرباني العظيم بكل أفراده سواء منهم مَن اشتهر، أو من لم يشتهر، فكل خريجي مدرسة النبوة كانوا قادة وعظماء، لم يستطع التاريخ أن يتجاوز واحداً منهم، كما يقول الشيخ محب الدين الخطيب ـ رحمه الله تعالى ـ
كان هذا البرنامج عوناً لي في إعداد مادة هدي الصحابة التي درستُها في قسم الدراسات الإسلامية بجامعة الملك عبد العزيز طيلة ستة وثلاثين فصلاً دراسياً بحمد الله، فكانت مادة هذا البرنامج تثري مذكرة مادة هدي الصحابة.
وبضغط من الأخ الحبيب الأستاذ مجد مكي ـ حفظه الله ـ وافقت على طباعة هذه الأحاديث الإذاعية، وقد بلغت خمسة مجلدات، وطُبِعَت باسم (أبطال الإسلام في موكب النبوة الخالد) تبنَّى الطباعة الأخ الكريم والزميل العزيز المقرئ الدكتور الشيخ عبد الله بصفر، الأمين العام لهيئة تحفيظ القرآن الكريم والمشرف على دار نور المكتبات، وباسمها قد نُشِر وساعد في ذلك الأخ الحبيب د. أنس كرزون.
لكن كتابي هذا لم يُوزَّع على المكتبات، وإنما آثر الشيخ بصفر ـ فضلاً منه ـ أن يُوزَّعه على حفظة كتاب الله، وعلى المراكز الإسلامية في أوروبا وغيرها، هدية من الهيئة العالمية لتحفيظ القرآن الكريم، وتكاد نسخه تنفذ، والأمل أن أتمكن من إنجاز جزء سادس، يخص شباب الصحابة والصحابيات الجليلات الشابات، أسأل الله أن يبارك في الوقت والجهد.
وإنصافاً أقول كان الأخ عبد الواسع شمسي باشا (أبو مصعب) صاحب المبادرة الأولى في اقتراح طباعة هذه الأحاديث، واتفق من أجل ذلك مع دار نشر في الرياض، يملكها أحد أقربائه، وقد باشَرَت هذه الدار فعلاً بذلك، ثم توقفت الدار، وأُغلقت، وتوقفت طباعة الكتاب.
وكان الأستاذان الكبيران الجليلان الشاعر السفير الأستاذ عمر بهاء الدين الأميري والشاعر الأديب المؤرخ رجل الأعمال الأستاذ محمد علي مغربي، قد كتبا مُقدِّمَتيْهما، والتي لا أستحق ما ورد فيهما من ثناء وإطراء، كانا ـ رحمهما الله تعالى ـ لَشَدَّ ما استعجلاني صدور الكتاب لكن لكل أجل كتاب، فانتقلا إلى رحمة الله وعفوه ـ إن شاء الله ـ قبل أن يريا الكتاب الذي كان ثمرة تشجيعها وحبهما وثقتهما.
طُبع الكتاب في بيروت، وحين أرادت دار النشر فسحه لدى وزارة الإعلام في جدة، لم تُعطَ الموَافقة على ذلك، ولم يفسَح الكتاب، وطُلِبْتُ لمقابلة مدير الإعلام، فذهبت إليه في مقر الوزارة بشارع حائل، وكان ودوداً لطيفاً، وقال: كتابك رائع وعظيم، وما أحوج الشباب لقراءته، لكن المشايخ اعترضوا على فسحه، قلت: عجباً لماذا؟ قال: إنك أكثرتَ من تسييد الصحابة، أي تقول: سيدنا لكل صحابي!! فضحكتُ وقلت له: حقيقة... هذه هي المشكلة في عدم فسحه، وعدم الموافقة على نشره، رغم طول الانتظار ؟! قال: هذا هو السبب ولا شيء غيره، قلتُ: حين استُدعيتُ للقائكم كنت أتوقع أن تُوجَّه لي تهمة: صوفي ـ أشعري ـ بِدْعي ـ قبوري... !! قال المسؤول: لم تُوجَّه إليك أي تهمة من هذا القبيل قلت: إذا لم نسيِّد الصحابة فَمَن نُسيِّد؟ هؤلاء الذين صنعوا مجدنا، وصنعوا حضارتنا، وصنعوا تاريخنا، وكانوا جيل القرآن الفذ الفريد، رضي الله عنهم ورضوا عنه، أثنى الله عليهم في كتابه، وأثنى عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في سنته، ثم قلتُ: أتأذن لي في سؤال، وتعدني أن لا تغضب؟! قال: تفضَّل بالسؤال، وأعدك أن لا أغضب، قلت: لو أنني خاطبتك باسمك المجرد كما هو مُثبَت أمامك على المكتب، فقلت لك: يا أحمد! ماذا ستقول؟ ستقول: مَن أنت حتى تخاطبني باسمي المجرد؟ هل بيني وبينك وحدة حال؟ حتى تُعفي نفسك من الرسميات في خطابك لي، لا بدَّ أن أقول صاحب السعادة... صاحب الفضيلة... صاحب السيادة... صاحب السمو... صاحب العطوفة... سماحة الشيخ...فأخذ يضحك ويقول: صحيح، حق معك... لكن ماذا عسانا أن نفعل مع المشايخ؟! هذا تحفظهم الوحيد، أقترح عليك أن تخفف من كلمة (سيدنا)، فوافقت، وطلبت إلى دار النشر حذفها بنسبة خمسين في المائة، فَفعَلت، لكن المشايخ لم يوافقوا أيضاً! ولم يرجعوا عن قرارهم في رفض الفسح! والكتاب قد طُبِع، والنفقات قد صُرفت، وهو على الحدود، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
توسطتُ بعض الشخصيات الهامة في جدة والرياض، واستغربوا قرار عدم الفسح للسبب السالف ذكره، ووعدوا بمعالجة الأمر، وانتظرتُ، ولكن دون فائدة، ونصحني أحد الإخوة بتقديم طلب الفسح إلى وزارة الأعلام في الرياض، وكلفنا شخصاً بذلك، ففُسِح والحمد لله... هذا إن دل على شيء فإنما يدل على أنه لا وجود لقرار مركزي في هذا، أو توجيه معين بهذا الشأن، لكنها عقليات وتصرفات شخصية وأمزجة!! ينبغي أن تُعالَج صوناً لسمعة المملكة، وحفاظاً على مكانتها.
كنتُ كتبت في مقدمة(1) الكتاب: ( كان بعض الإخوة المستعمين لاحظوا عليَّ ـ منتقدين ـ غفر الله لهم ـ أنني أرّدد أحياناً كلمة: (سيدنا) عند ذكر الصحابي وأنا أقول لهؤلاء الإخوة: إنني أعتذر لسادتي صحابة رسول الله ﷺ أنني لم أقرنهم بهذا الوصف دائماً كلما ذكرتُهم ـ خشية أن أطيل على الأخ السامع ـ.
كيف لا أقرن اسمهم بهذا الوصف، وسيدنا رسول الله ﷺ وقد سمعه بعض الصحابة يثني على سيدنا سعد بن عبادة فيقول: «نِعم المرء سعد بن عبادة » فقالوا: يا رسول الله هو بيتنا وسيدنا وابن سيدنا؟
ألم يقل عمر الفاروق للصديق يوم البيعة له في سقيفة بني ساعدة: بل نبايعك أنت، فأنت سيدنا وخيرنا وأحبنا إلى رسول الله ﷺ، بل إن سيدنا عمر -رضي الله عنه- هو الذي قال كذلك: (أبو بكر سيدنا وأعتق سيدنا) ـ يعني بلالاً ـ.
لماذا يستكثر عليَّ هؤلاء الأحباب الناقدون مثل هذا الوصف لأحب الخلق إلى الله بعد رسل الله وأنبيائه ـ عليهم الصلاة والسلام ـ ؟ هم سادتنا وأحبابنا وقادتنا وأصحاب الفضل علينا بعد فضل الله، وفضل سيدنا رسول الله ﷺ كما يقول ابن تيمية ـ رحمه الله تعالى ـ:« كل خير فيه المسلمون إلى يوم القيامة من الإيمان والإسلام والقرآن والعلم والمعرفة والعبادات، ودخول الجنة، والنجاة من النار، وانتصارهم على الكفار، وعلو كلمة الله، فإنما هو ببركة ما فعله الصحابة الذين بلَّغوا الدين، وجاهدوا في سبيل الله، وكل مؤمن آمن بالله، فللصحابة ـرضوان الله عليهم ـ فضل عليه إلى يوم القيامة».
وبحمد الله فقد وُزِعَّ الكتاب، وكادت أن تنفذ نسخه، ولا معترِض، ولا منتِقد، والحمد لله رب العالمين.
ومأساة نفاق أخرى... فإنه رغم مرور سبع سنوات على البرنامج، وتقديمي /348/ حلقة، بدءاًَ من 16/1/1406 الموافق 22/9/1985 وانتهاء بـ 26/1/1413 الموافق 26/6/1992، فوجئت بالأخ المراقب أو مدقق الإذاعة ـ وهو مصري الجنسية ـ يعترض على بعض النصوص ـ وهذا شيء طبيعي!! ـ لكن المفاجأة المذهلة أنه كتب بخط يده وبالقلم الأحمر: تُعاد صياغته... تُمنع إذاعته! تحدث عن اليهود والنصارى تفصيلاً!! طلبتُ لقاءه، وقلت له: لم يسبق لِمَن سبقك أن أعترض مثل هذا الاعتراض !! وقلت له كذلك: ليس سهلاً أن تقول: تُعاد صياغته، وتُمنع إذاعته، لأنني أتعب أسبوعاً كاملاً، وأرجع إلى ما لا يقل عن خمسين مصدراً ومرجعاً، حتى أكتب حلقة واحدة، تُذاع في مدة عشرة دقائق!! لأنني أكتب عن صحابة غير مشهورين، وما كُتِب عنهم قليل أو نادر!!.
قال: إذا كنت تريد أن يستمر برنامجك فتجنَّبْ الأمور التالية: لا تشتم اليهود، ولا تسب النصارى، ولا تأت على ذكر الشورى، ولا على ذكر اليمن!! قلت له: أنا لا أشتم اليهود والنصارى، لأنهم يهود ونصارى، وإنما أتحدث إلى مستمعين عن غزوات أو سرايا حضرها هذا الصحابي أو ذاك، فلابد أن أعرِّف المستمع بهذه الغزوات والسرايا، أو أتحدث عن صحابي كان يهودياً أو نصرانياً ثم أسلم، وأتحدث عن سبب إسلامه مقارناً بين ماضيه وحاضره، قال المراقب: حتى هذا غير مسموح به! قلت: أما عن الشورى فأنا لا أتحدث عن الشورى السياسية، وإنما أتحدث في هذا الموضوع إذا مرَّ بي صحابي قد استشاره ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ فأذكر خاصَّة من خصائص قيادة رسول الله ﷺ وهي: أن رسول الله كان يحرص على استشارة الصحابة، ليس لأنه في حاجة إلى مشورتهم ورأيهم ـ وهو الذي يتلقى الوحي من ربه ـ وإنما كان ﷺ يستشيرهم ليعمِلوا عقولهم، ويدربهم على الاجتهاد، ويهيئهم للحكم من بعده...قال: هذا أيضاً غير مسموح به! ثم سألته مستغرباً: ما قصة اليمن؟ أنا لا أتحدث عن اليمن كيمن، وإنما أتحدث عن صحابي قدم من اليمن، فيفرح به رسول الله ﷺ، ويعبر عن ثنائه على مسلمي اليمن ويقول : أتاكم أهل اليمن فإنهم أرق قلوباً وألين أفئدة، قال المراقب: كذلك... هذا ممنوع.
بعد هذا اللقاء أُوقف البرنامج...!! وأنا أؤكد هنا أن هذا تصرف منافق، يريد أن يرضي مَنْ فوقه، بدليل أنني بقيت سبع سنوات أقدم البرنامج، فلم تُقدَّم لي مثل هذه الملاحظات، ثم إن كثيراً من الزملاء، يقدمون برامج، وفي نفس الإذاعة، وبمثل هذه الموضوعات، وبنفس التاريخ، قاتل الله المنافقين!.
يتبع في الحلقة الثلاثين، ونتحدث فيها عن خطب الجمعة.
(1) أبطال الإسلام في موكب النبوة الخالد جزء 1 المقدمة.
جميع المواد المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِّر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين