الأستاذ الداعية المربي المجاهد محمد فاروق بطل.. صفحات من ذكرياته (31)

الأستاذ الداعية المربي المجاهد محمد فاروق بطل.. صفحات من ذكرياته (31)

التصنيف: علماء دعاة مربون
الجمعة، 27 شوال 1446 هـ - 25 أفريل 2025
40
محمد فاروق بطل...
محمد فاروق بطل...
الميلاد :1936 - 05 - 13- الوفاة :2024 - 07 - 24

إلى الإخوة القراء نص الخطبة كما قدمتُها للمسؤول:


الخطبة الأولى:
استهللتها بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}المائدة: ٥١


وقلتُ: في تفسيرها: هذا أمر من الله تبارك وتعالى للمسلمين في كل زمان ومكان حكاماً ومحكومين، وقد قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه:« إذا سمعت الله يقول: يا أيها الذين آمنوا فأرعِها سمعك فإنما هو خير يأمرك به مولاك، أو هو شر ينهاك عنه». وإذن فلابد أن ندقق السمع والفكر فيما يأمرنا به سبحانه، أو ينهانا عنه، إنه ينهانا أن نعطي اليهود والنصارى ولاءنا أو طاعتنا أو ثقتنا أو محبتنا أو نسلس إليهم قيادنا.


وقلتُ: تمر بنا اليوم ذكرى تقسم فلسطين عام /1947/ حين أصدرت الأمم المتحدة قرارها بتقسيم فلسطين، لتكون دولتين: دولة لليهود ودولة للفلسطينين بنسة 54% وها قد مضت ستون سنة، دون أن يتحقق أي شيء لشعبنا في فلسطين، رغم عشرات المؤتمرات التي عُقِدت، ورغم آلاف اللقاءات التي بُحَّت فيها الأصوات، ورغم مئات القرارات والاتفاقيات التي أُبِرمت، وبقي شعبنا في فلسطين في منطقة الصفر، لا يلوي على شي، ولم يحصل على شيء؛ قضمت إسرائيل الأرض، فلم تُبقِ من أرض فلسطين إلا القليل، جرَّفت المزارع، أقامت الجدار العازل، حوَّلت شعبنا في فلسطين إلى سجين، تمزقه الكانتونات، هدمت المساكن فوق رؤوس أصحابها، أسرت أحد عشر ألفاً أو يزيد، قتَلَتْ الآلاف، هدَّمت أساسات المسجد الأقصى، وهو الآن ـ لا سمح الله ـ على وشك الانهيار، ودائماً وأبداً تطالبنا إسرائيل أن نقر لها بالواقع الذي أحدثته على الأرض، نقر لها بسرقاتها وما تغتصبه منا، ونسكت على جرائمها الوحشية وعدوانها الآثم، وغدرها المتكرر، ونقضها للمواثيق والعهود، وتجاوزها للشرعية الدولية، واستعلائها على قوانين الأمم المتحدة، مؤيَّدة في ذلك من الدول الكبرى.


ثم قلت: المسلمون مع السلام، لأن الله تعالى قد دعا إليه فقال: {وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} يونس: ٢٥ وقال: {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} الأنفال: ٦١ لكن هل إسرائيل جنحت للسلام؟ وهل أعطت مؤشراً على ذلك، أم أنها تريد أن تشهد العالم على موافقتنا على ما سرَقَتْه من أرضنا، وما اغتَصبَتْه من شعبنا، لتتوسع بعد ذلك أكثر فأكثر حتى تهدم الأقصى، وتقيم هيكل سليمان المزعوم، وتحقق دولة إسرائيل الكبرى التي طالما عبَّرت عنها ؟!!.


ثم قلت: قضية فلسطين ليست قضية عادية، وليست قضية شعب قد احتُل أو استُعمِر، وإنما هي قضية دين، قضية عقيدة، قضية أولى القبلتين، وثالث الحرمين، قضية المسجد الأقصى، قضية مسرى سيدنا رسول الله ، قضية معراجه الشريف، قضية الأرض المباركة قرآنياً، قضية شعب يذوق ألوان العذاب وقد حُرِم كل شيء...ولذلك كان على إخواننا المفاوضين أن يرعَوْا الأمانة، وعليهم أن يتخذوا القرآن الكريم مرجعيتهم، فهو ليس كتاب تاريخ، وإنما هو كتاب هداية وتشريع وتعليم...


ثم قلتُ: إن كل مفاوض في العالم، قبل أن يجلس إلى خصمه على مائدة المفاوضات يدرس نفسية خصمه وفكره وتاريخه وذاتيته، ليكون على بيَّنة وبصيرة من أمره، وحتى لا يُخدَع، أو يُؤتَى من غفلة، أو يُمكر به، أو يُكاد له، ونحن بحمد الله قد تكفل لنا القرآن العظيم ببيان أخلاق اليهود عبر التاريخ كله، أنصح الإخوة المفاوضين أن يتبينوا ما ورد في القرآن الكريم في هذا الشأن، وإليكم بعض هذه الأخلاق اليهودية في الكتاب المعجز والقرآن الهادي: {أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} البقرة: ١٠٠ الأصل فيهم نقض العهود والمواثيق، وإذا التزم فريق منهم ظاهراً في إبرام موثق أو عهد، جاء مَن بعدهم من المتشددين، فينقضوه ويتحللوا منه، إنهم يتبادلون الأدوار، والمهم لديهم؛ أن لا يلتزموا بقرار يضر بدولتهم أو بمشروعهم الصهيوني.


{فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} البقرة: ٥٩


وإذن فهم يحرفون الكلم عن مواضعه، فعلوا هذا في كتاب ربهم، ونسبوا إلى الله في التوراة ما لم يقله، ونسبوا إلى رسلهم وأنبيائهم من الكلام الكاذب، والعقائد الفاسدة، والقصص الخرافية، ما نزه الله رسله عن ذلك، وإذا كانوا قد كذبوا على الله ورسله، وبدَّلوا الكلم، وشوَّهوا الحقائق، وزيَّفوا العقائد، فكيف لا يكذبون علينا وعلى العالم؟ ولعل قرار /142/ الصادر عن الأمم المتحدة والذي شغلوا العالم نصف قرن في تفسير بعض كلماته بما يخدم أهدافهم ولؤمهم وغدرهم.


{فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ} البقرة: ٧٩


{أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} البقرة: ٧٥


على الفريق المفاوض أن يدرك هذه الحقيقة، وأن لا يخدع بيهود وبكلماتهم المعسولة، وتمثيلهم المفضوح، وأنهم شعب مسكين مهدد مظلوم ضعيف، مُعرَّض للذبح والإبادة من قبل العرب والمسلمين، هكذا يُظهِرون أنفسهم دعائياً أمام العالم!! ونحن وحدنا المسلمين الذين آويناهم وأعطيناهم الأمان في عهد الرسالة، وفي عهد الخلافة الراشدة، وفي سائر عهود التاريخ الإسلامية، حين كان يضطهدهم النصارى في إسبانيا وغيرها، لا يجدون لهم ملجأ إلا بلاد المسلمين، ومع ذلك غدروا ونكثوا العهد، وقَطَعوا اليد التي أحسنت إليهم، واغتالوا من أعطاهم ثقته، وأمَّنهم على حياتهم، فحذار حذار من الغفلة... وحذارِ حذارِ من الوهم الخادع أن يهود يُطمَع في صدقهم، أو في عهدهم، أو في التزامهم ـ


{وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آَمَنُوا قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} البقرة: ٧٦


وهذه حقيقة أخرى فظاهرهم غير باطنهم، في الظاهر يبدون المسكنة والضعف، وفي باطنهم مكر وخداع وكذب... يتبادلون الأدوار فيما بينهم، فريق يوقِّع ليكذب على العالم، وفريق آخر قد أُعِد لدوره، ينقض العهد، وينكث الوعد {سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئًا وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} المائدة: ٤٢


إنهم سماعون للكذب، حرفتهم تشويه الحقائق وديدنهم اللعب على الألفاظ والنصوص، يستبيحون الدم الحلال، وأكل المال بالحرام، ويقولون كما حكى الله عنهم، وهو أصدق القائلين:
[قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللهِ الكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ] {آل عمران:75}


أي: لن يحاسبنا الله على ما نمارسه من عدوان وظلم وغدر وكذب واغتصاب للحقوق، وأكل للمال بالباطل، طالما أنه مع غير يهود، فكل الشعوب وكل الأمم مباحة لنا، نفعل فيها ما نشاء، ونرتكب في ظلمها ما نشاء وليس علينا في ذلك لوم ولا عقاب!.


هذا سوء أدبهم مع الله الذي فضلهم على سائر الأمم في زمانهم، وأعطاهم مالم يعط أحداً من العالمين، وجعل منهم الأنبياء والرسل، مع ذلك كان هذا خلقهم، فكيف هو خُلُقُهم مع خَلْق الله وعباده من الأميين الذين لا يجدون أي جرم أو إثم أو معصية في كل ما يمارسونه معهم من ألوان التعذيب والاضطهاد والاحتلال وإشعال الفتن؟؟!!


{لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلًا كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقًا كَذَّبُوا وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ} المائدة: ٧٠


وهذا سوء تعاملهم مع رسل الله وأنبيائه وهم من جلدتهم من بني إسرائيل، نقضوا الميثاق معهم، وكذَّبوهم واستباحوا دماءهم، وإذا كان هذا حالهم مع أنبيائهم، فكيف هو حالهم مع العرب والمسلمين والشعوب الأخرى؟!، فهم الذين يسعّرون الحروب قديماً وحديثاً من عهد رسول الله  ومن بعد ذلك، ولْنسْأل مَن هُمُ الذين أوقدوا نار الحرب العالمية الأولى ثم نار الحرب العالمية الثانية، والحروب الأخرى التي تبعتها؟


[كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا وَاللهُ لَا يُحِبُّ المُفْسِدِينَ] {المائدة:64} هذه شهادة الله فيهم، {وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا} النساء: ١٢٢ ثم مَنْ الذي نشر الفساد في الأرض؟ ومن الذي نشر مذاهب الفجور والإباحية في العالم؟ ومَن الذي نشر المذاهب الإلحادية الضالة في العصر الحديث؟ أليس ماركس وفرويد ودوركهايم، واينيشتاين، وجان بول سارتر، أليس هؤلاء يهوداً، لقد نشروا الشيوعية والوجودية والإباحيَّة والاشتراكية وغيرها من المذاهب التي دمَّرت قيم الأديان ومبادئ الأخلاق، ونظم الاجتماع، والعالم اليوم يعاني من شر أفكارهم وسوء مذاهبهم، وخَلَل تصوراتهم... قاتلهم الله أنى يؤفكون


[وَاللهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ وَكَفَى بِاللهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللهِ نَصِيرًا] {النساء:45} [هُمُ العَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ] {المنافقون:4} .


هذه حقيقة لا يجوز أن نغفل عنها، فالله سبحانه وهو العليم الخبير الذي يعلم السر وأخفى ـ أعلمُ منا بأعدائنا، ويدلنا صراحة على أن أعداءنا هم اليهود، حتى نكون على حذر ويقظة من مكرهم وكيدهم، ولذلك فإنهم يطلبون إلينا حذف هذه الآيات وأمثالها حتى إن شمعون بيريز يقول: ليست مشكلتنا مع هؤلاء الذين يفجّرون أنفسهم، وإنما مشكلتنا مع القرآن الذي يغذيهم بهذه الأفكار.


[وَقَالَتِ اليَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَللهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ المَصِيرُ] {المائدة:18} هذا غرورهم القائل وادعاؤهم الكاذب، إنهم المدلَّلون عند ربهم، وأنهم أصفياؤه وأبناؤه، والمقربون إليه، ومن ثَمَّ فلا حساب عليهم ولا لوم ولا عقاب ولا تثريب في كل ما يجترحونه من سيئات، وما يرتكبونه من مظالم، وما يستبيحونه من حرمات، وما يقترفونه من جرائم، وما يسلبونه من حقوق الشعوب المقهورة...


الخطبة الثانية:
[سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ المَسْجِدِ الحَرَامِ إِلَى المَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ(1) وَآَتَيْنَا مُوسَى الكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي ‎وَكِيلًا(2) ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا(3) وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي الكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا(4) فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا(5) ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا(6) ]. {الإسراء}.


هذه الآية تحذير لليهود ونصيحة أن يحسنوا، وأن لا يسيئوا، وأن لا يعودوا إلى سابق عدوانهم وحربهم وفسادهم، لكنهم إن استمروا على نهجهم الأثيم وحربهم العدوانية وظلمهم... فإن الله لهم بالمرصاد.


كما أن هذه الآية وعْدُ للمؤمنين أن لا ييأسوا ولا يقنطوا من رحمة الله، فالأيام دُوَل، والله ناصر المؤمنين الموحدين، ولهم جولة أخرى مع الباطل ينصرهم الله فيها، ويورثهم الأرض، ويعيد إليهم المسجد الأقصى، والأرض المباركة بإذنه سبحانه، وما ذلك على الله بعزيز...


ختاماً:
هذا ما قلته يقيناً في خطبتي، فإن أصبتُ فالفضل من الله، وإن أخطأتُ فمِن نفسي، وأستغفر الله على كل حال، وأتوب إليه من كل ذنب، وما أنا بالمعصوم والحمد لله رب العالمين


كيد فاشل وحمق بالغ:
في الشهر الثالث من عام /1429/ اتصل بي هاتفياً السيد زهراني مراقب المساجد السابق الذكر، وذلك عند القيلولة، وقال بصوت غاضب، ويخلو من الأدب: في المرة السابقة حكيتَ في خطبة الجمعة عن مؤتمر أنا بوليس وتدخلتَ في السياسة، وسكتنا عن ذلك، واليوم تعترض على سياسة المملكة!! سألتُه مدهوشاً: أيَّ سياسة اعترضتُ عليها؟! وإنه لسؤال مذهِل حقاً ومفاجأة مربِكة!! جعلَتْني أسترجع منه ما يقول، وهو يؤكد، قلتُ: أين ومتى اعترضت على سياسة المملكة؟! قال: ألا تذكر ما قلتَه في جريدة المدينة؟ عندها فقط تذكرت أن إمام حي البغدادية الغربية في جدة، وهو من طلابي المحبين المعجَبين، دعاني إلى مسجده الذي يؤم فيه ويخطب... فلبيتُ الدعوة، وإذا بي أجد مندوب جريدة المدينة، والمختار (العمدة) وبعض شخصيات الحي. وكان موضوع الحوار الصحفي: حاجة المسجد الذي نلتقي فيه إلى توسعة، وكذا المنطقة كلها تحتاج إلى مساجد، ولابد من حث أهل الخير على التبرع، وأجاب الحاضرون على أسئلة مندوب جريدة المدينة، فلما جاء دوري قلت: إنني أُهيب بأهل المنطقة أن يمدُّوا يد البذل والخير، لتوسعة هذا المسجد، وبناء مساجد أخرى في المنطقة، لأن هذا الحي في توسع مستمر، وتُبْنَى فيه أبراج، ولو نظرنا إلى خارطة المنطقة من شارع الملك عبد الله شمالاً إلى سوق (كابل) جنوباً، ومن البحر غرباً إلى جامع الجفالي شرقاً لا نجد إلا ثلاثة مساجد، ثم تحدثتُ عن أهمية المسجد، وضرورته، وكيف أن الرسول الكريم  وكذا الخلفاء الراشدون والقادة الفاتحون ما كانوا يفتحون مدينة أو يدخلون بلداً إلا بنَوْا المسجد أولاً، ثم ذكرتُ أن المساجد هي صمام الأمان في تربية شبابنا وأشبالنا، وأنها المحضَن التربوي الذي ينقذ أبناءنا من التربية المنحرفة، ومن دعاة العنف والتطرف، والشباب الذين لم ينضجوا... هكذا تحدثت... فلما قال: لا نسمح لك أن تعترض على سياسة المملكة، وأردف قائلاً: يا غريب كون أديب!! قلتُ له: ألمثلي تقول هذا الكلام، وقد أقمت في هذا البلد قرابة ثلاثين سنة، ولم يسيء أحد إليَّ بمثل هذه الصورة، واليوم وفي هذا البلد، طلابي منتشرون في كل مكان: مدرسون ـ أطباء ـ مهندسون ـ قضاة، محامون، عمداء كليات، أساتذة جامعات...!!


ثم سألتُه: قل لي ماذا قلتُ حتى تتهمني بنقد سياسة المملكة؟هل قرأتَ الجريدة؟ كنت أتوقع أن توجه الشكر لي لِما قلتُه! قال: لا... لم أقرأها !! ولكِنْ جاءنا تقرير بذلك !! قلت: الآن فهمت تبنون مواقفكم على تقارير كاذبة!!.


وشاء الله أن يفضح جهله وحماقته، فاتصل مؤنَّبِاً بكل الذين حضروا هذا اللقاء الصحفي، فضجَّ الجميع، واشتكَوْه إلى مديرية الأوقاف التي استنكرت منه هذا الموقف وهذا التصرف الأحمق.


فالحمد لله الذي أحقَّ الحق، وكشف الباطل، وعرَّى الجهلة، سبحانه...! سبحانه، من عادل ينتصف للمظلوم، ويقف إلى جانب أهل الحق والإيمان...!!


درس وعبرة
وفي نهاية هذا الفصل أقول: كان من رحمة الله بي وفضله عليَّ، أنه رغم توالي المحن (اعتقال ـ تشريد ـ هجرة ـ غربة) فإن معية الله لم تنقطع، ورزق الله لم يتوقف، وكفاية الله لي ولأسرتي كان غَدَقاً رخَاء موفوراً مباركاً، خاصَّة وأن الله رزقني أولاداً بررة، موفَّقين في أعمالهم، مبارَكين في أرزاقهم، لم يكلفوني درساً خصوصياً واحداً في حياتهم، وكانوا متفوقين في دراستهم، ولم يكلفوني إلا القليل في دراساتهم الجامعية، بل كان بعضهم يتلقَّوْن رواتب من جامعاتهم، الكُبْرى من أولادي(منار) تخرَّجت لغة عربية من جامعة الملك عبد العزيز، كانت من أنجح المدرسات، في أهم مدارس جدة ( مدارس النصيفية)، وولدي الثاني (عمار) درس الاقتصاد والإدارة واشتغل في ميدان التجارة، والثالث مهندس كمبيوتر(محمد الفاتح) تخرَّج من جامعة الملك فهد في الدَّمام، والرابع (حسان)جرَّاح عيون تخرج من جامعة الخليج في البحرين ، وتخصص في بريطانيا، والخامس (أسامة) جراح عظام تخرَّج من جامعة بغداد ثم تخصص في ألمانيا، والأخير (جهاد) تخرج من الجامعة الأردنية مهندس صناعة، ثم تابع دراسة الماجستير في لندن ( تقنية المعلومات )


تلك بعض نعم الله علي {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} النحل: ١٨ ، وهو القائل سبحانه: {وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} النساء: ١٠٠


نعم وجدتُ وأولادي السَعَة، رغم ما كان يُبيِّته لنا البعثيون والطائفيون من أذى وضرر، وملاحقة وحقد، واللهِ لقد لمستُ وعد الله لمس اليد، بل أقول ما من أخ سوري هاجر في سبيل الله، وإلى أي مكان هاجر إليه، إلا ولمس هذا الوعد الرباني، وظفر بفضل الله ونعمائه، فالحمد لله أولاً وأخراً، لا نحصي ثناء عليه كما أثنى على نفسه، فالحمد لله كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه.


تم بفضل الله تعالى وتوفيقه.



بقلم: محمد فاروق بطل

تنويه:

جميع المواد المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِّر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين