ولادته ونشأته : ولد في مدينة حماة سنة / 1946 م ، وتربى وترعرع في كنف والده الفقيه الحنفي الشيخ محمد ظافر المراد رحمه الله ، فتعلم القرآن الكريم والفقه الحنفي وسائر العلوم على يدي والده ، وتدرج في مدارس حماة الابتدائية والإعدادية والثانوية حتى نال الشهادة الثانوية بفرعها العلمي بدرجات عاليةٍ خولته لدخول كلية طب الأسنان ، وذلك سنة / 1967 م ، لكن رغبة والده الشيخ محمد ظافر بأن يدرس ولده العلم الشرعي كانت فوق كل شيء ، فامتثل الولد لرغبة والده طائعاً غير مكره ، لذلك سجل في كلية الشريعة . كان رحمه الله حريصاً على حضور مجالس العلم عند علماء حماة من أمثال الشيخ محمد زاكي الدندشي ، حيث كانت له حلقة علم يومية في الجامع الجديد يقرأ فيها بحاشية ابن عابدين ، وأمثال الشيخ محمد الحامد حيث كان يحضر دروسه اليومية بعد المغرب في جامع السلطان . التحق بكلية الشريعة في جامعة دمشق وتخرج فيها سنة1971م ، وأثناء وجوده في دمشق كان ملازماً لحلقات دروس عدد من العلماء فيها أمثال : الشيخ حسن حبنكة ، والشيخ عبد الكريم الرفاعي ، والشيخ لطفي الفيومي ، ثم بعد تخرجه رجع إلى حماة ودرَّس في مدارسها ، ثم طُلب إلى الخدمة الإلزامية وخلالها اندلعت حرب عام 1973م ، وبعد تسريحه رجع يدرِّس في مدارس حماة ، وخلال هذه الفترة حضَّر لدراسة الدبلوم في التربية بجامعة دمشق ، لكنه لم يتمها لأنه تعاقد مع السعودية مدرساً منذ أول عام 1976م ، وكان قد تزوج في صيف عام1975م من ابنة الشيخ أحمد بن الشيخ عبد العزيز المراد، وأنجبت له ولداً سماه "نافع" ، بقي في السعودية مدرساً في مدينة أبها ما يقرب السنة والنصف ، حتى وافاه الأجل في مدينة الرياض إثر مرض عضال في السادس والعشرين من شهر آذار1977م. عبادته : كان رحمه الله كثير الصوم لاسيما يومي الاثنين والخميس ، وكان مواظباً على صلاة الجماعة وعلى السنن الرواتب والنوافل ، وخصوصاً صلاة التهجد فكان لا يتركها حضراً ولا سفراً ، وهذا منذ أن كان في المرحلة الإعدادية ، لذلك اعتاد أن ينام باكراً ويستيقظ باكراً . رحم الله الفقيد فقد ضرب أروع الأمثلة في الصبر وتحمل البلاء والاحتساب عند الله ، حدثني الأخ محمد غياث الجنباز الذي كان ملازماً له في المستشفى لا يفارقه ليل نهار قال : ما دخلت عليه مرةً إلا والابتسامة على شفتيه لا تفارقه ، ولسانه مُعَطَّرٌ بذكر الله تعالى لا يفتر عن تسبيح وتحميد وتهليل ، ولقد حاول الأطباء تخفيف الورم الذي أحاط برقبته ففتحوا فتحةً من الجهة اليمنى ، ثم فتحوا فتحةً في الجهة اليسرى فلم يفد شيئاً ، كل هذا وهو يشعر بالألم وبحدِّ المِشرَط أثناء العملية وهو صابر محتسب أجره عند الله . رثاه صديقه وزميله وتربه الشاعر الكبير الأستاذ عبد القادر أحمد حداد رحمه الله بقوله : أيها الغائب الحبيب : سلام الله عليك حيث كنت ، فهذه ساعة ذكر وذكرى تحملنا إليك ، إلى روحك الطيبة اللطيفة ، بعد مر الأيام السريع جاءنا النعي يوم السادس والعشرين من آذار لهذا العام ، فدافعناه بالأمل البعيد ، ولكن القضاء كان أمضى . وعلى مثل الجمر بات قلب أخيك تلك الليلة ، وإن الأُذن لتدفع النبأ مستريبةً : أصحيح هذا ؟ والقلب ليهتف بالعقل : هذا غير معقول . الشباب الناضر والروح العذبة والآمال العريضة ، كلها تنقضي هكذا ؟ ! وبلا سابق إنذار ؟ ! ولكن ما أن انجلى الشك حتى كان اليقين أبلغ من أن يُكَذَّب ، فغالبت فيك الأسى وهو أغلب . أخلاقه وصفاته : يمتاز الفقيد بروحه الطيبة ، وتفاؤله العريض وأخوته السامية ، هذه الأخلاق الرضية التي تصل به إلى النموذج المثالي للشاب المسلم الواعي في هذه الأيام . قيمة الفقيد في المثال الكامل أو الساعي نحو الكمال ، المتفائل والمؤمن دائماً كذلك بنصر الله ، وبصلاح هذه الشريعة لكل زمان ومكان . قيمته في النموذج الصالح لطلاب كلية الشريعة في جامعة دمشق ، الدأب والجد والمثابرة مع الدماثة والرقة واللين لإخوانه ، التي هي من صفات المؤمنين أسوة برسولهم عليه الصلاة والسلام : ( بالمؤمنين رؤوف رحيم ) ، ( فبما رحمة من الله لنت لهم ) ، ( رحماء بينهم ) . أخي أيها الراحل الحبيب : أنت في قلبنا جزء من روحنا ، مرضت لفقده ، لا أقول مرضت بل حزنت ... الحزن الذي لا تدفعه طبيعة البشر ولا تقدر عليه ، هو في قول معلمنا صلى الله عليه وسلم في إبراهيم : ( وإنا على فراقك يا إبراهيم لمحزونون ) . وإنا لله وإنا إليه راجعون ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا . ويا أخي : لك علي حق كبير . فهل تفي ببعضه هذه الأبيات المتواضعة في رثائك ؟ وإني لأعجب من نفسي الساعة : كيف يقول المرء أبياتاً في رثاء نفسه ؟ ! لقد كنتَ مرآة أخيك وها أنا أرفع أبياتي لتراها في مرآتك ، واقبل عذري إن قصَّرتُ فهذا الموقف ثقيل علي يا أخي أبا نافع : ليس لأمر الله من دافع فليرحم الله أبا نافع مضت بغسان إلى ربه كف الردى في مدِّها النازع إذا أطل الأجل المنتهي أرداك أدنى ملمسٍ صارع لن يمنع الإنسان من يومه ولو ثوى في حصنه المانع ويقرع المقدور أبوابنا ونغفل – العمر – عن القارع حتى إذا حانت لنا صحوة تفلت العمر من الهاجع هل تنفع الأحزان في ذاهبٍ إذا تولته يد " النافع " يا حسنه في المجمع المرتضى أُنس المنى ريحانة الجامع يا طيبه في المجلس المشتهى يا لطفه في ذوقه الرائع مصابنا فيك عظيم الشجى لكننا نؤمن بالصانع أبكيك؟! جف الدمع في ناظري لو أسعفتني فورة النابع! يبكيك قلبي يا منى قلبه ألم تكن في روضة الراتع يبكيك في المسجد محرابه ومجلس الذكر والخاشع قد كنت فينا زهرة المنتدى وبهجة الناظر والسامع هجرت دنياك خفيف الهوى من ربقة الغافل والطامع وعِفْتَنا في همها يا أخي تضربنا في لُجِّها الدافع سبقتنا في الدرب يا ضرنا والملتقى في رحمة " الواسع " أكرم بمثواك لدى تربة طابت بمثوى المصطفى الشافع بقلم الأستاذ عبد القادر حداد رحمه الله نشر في مجلة حضارة الإسلام العدد الخامس من السنة الثامنة عشرة رجب / 1397 هـ - تموز / 1977 م
تنويه:
جميع المواد المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِّر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين