العالم الشاعر عبد الرحمن الجامي وحبه لحبيبه عليه الصلاة والسلام.. نظرة على شعره في المديح النبوي

العالم الشاعر عبد الرحمن الجامي وحبه لحبيبه عليه الصلاة والسلام.. نظرة على شعره في المديح النبوي

التصنيف: علماء محدثون
الجمعة، 5 ذو القعدة 1446 هـ - 2 ماي 2025
209
عبد الرحمن محمد الجامي...
عبد الرحمن محمد الجامي...
الميلاد :- الوفاة :

كان العالم الشهير عبد الرحمن بن محمد الجامي من نوابغ الشعراء وصاحب المكانة العليا في الشعرالفارسي الرائق الرقيق العذب الجميل، إنه تغزل ولكن وجه أشواقه إلى سيد الخلق عليه السلام، فنجده يتغزل ولكن يخاطب النبي عليه السلام وربما يستغرق في بحار جماله وحبه فيأتي بما لا يستطيعه حتى الهائمون المدنفون، إنه يبدي قلقه ولوعته على الفراق الذي لا يزال عائقاً له عن زيارة حبيبه عليه السلام، فيناشده من بعيد ويخاطبه بأغلى ما يخاطب به المحب حبيبه، وربما يناجيه في عالم الخيال ويطلب منه إلقاء نظرة ملؤها الحبّ والشفقة، ولا أدلّ على صدق هذه الدعوى مما جادت به قريحته، وقلما يوجد أكثر صدقاً منه في دعوى الحبّ، ولأجل ذلك نرى الجامي يحوى معظم أجزاء ديوانه هذا الحبّ واللوعة على الفراق والتألم على الهجران، ومعظم قصائده ومنظمومات الشعرية تدور حول هذا الموضوع، وبذلك يكون الجامي ممثلاّ لأقوى أدب الحبّ ويساهم في إثراء مكتبة المديحة النبوية بأكبر نصيب، كما يخلّد ذكراه ومنظوماته لا إلى بقاء هذاالعالم فحسب بل إلى الخلود بمعنى الكلمة، وبذلك هو يكون كذلك صاحب فضل كبير ومنة عظيمة على هذه الأمة الإسلامية بإعادة صلتها وتوطيد أواصر حبها بإمامها ومؤسسها عليه الصلاة والسلام إثارة لكوامن الأشواق وإلهاباً لجمرات المودة في قلوبها، وللجامي هذا في هذا الحب النزيه الطاهر الذكي قصص في التاريخ، وإن كانت لا تبلغ من الصحة والاستناد والدراية مبلغاً يسوغ القبول لعامة العقول، ولكنها لا تبدو مستحيلة لمن يخوضون هذه المغامرات ويمثلون بطولات مثل هذا الحبّ، ولعلّ هذه القصة التي أوردها أقوى قصصه في ذلك صحة وأقرب عقلاً، وهو أنه حينما توجه قاصداً إلى المدينة المنورة على صاحبها الصلاة والسلام رآى حاكمها النبي عليه السلام في المنام يؤكد عليه لمنعه من الحضور إلى الروضة الشريفة، فلمّا حضر حبسه الحاكم فقال له صلى الله عليه وسلم في الليلة الآتية إنه ليس بمجرم ولكنني أمنعه حتى يحضر إليّ ويبدي تألمه وشوقه ولوعته وحبه فأخرج يديّ من القبر لمصافحته شفقة عليه فيكون فتنة للناس.


يقول الجامي في منظومة له:
"يا نسيم عليك أن تمر بالبطحاء وتخبر سيدنا محمد عن كآبة حالي واختراق قلبي، أنت يا محمد سلطان العالم وملكه وسيده، فمن فضلك شرفنا يا رسول الله بنظرتك ولو كانت عجلى، فكرما يارسول الله وعناية، وغاية شوقي وحنيني وجل أمنيتي وهمي أن أفدي بنفسي هذه على روضة خير البشر عليه أفضل التسليمات، والجامي وإن تشرف بفضله وارتشف من زلال شفقته وحبه ونال من كرمه نصيبا غير منقوص ولكن يا رب لا تحرمني منه وأكرمني بذلك مرة بعد مرة.


وله مديحة ثانية ينادي فيها حبيبه من بعيد فيقول:
يا شفيع المذنبين جئت إليك معتذرا على ما صدر مني من خطإ وما بدر من ذنب، حضرت إليك وظهري مثقل بحمل الذنوب، فافتح يا رسول الله عينيك اللتان لا تملأهما إلا الشفقة والرحمة، وألق نظرة على شعر رأسي الأبيض وإن كنت قد حضرت خجلا وندامة بوجه قد اسود من كثرة الذنوب.
ولا أقول إنني قضيت أعواما في البحث عنك تائها ولكني ضال قد فاز بالبلوغ بنفسه إليك الان. وقد حضرت يا سيدي يا رسول الله بدليل وشاهد على حبك هو العجز والفقر وتحرق القلب والألم، ويا سيدي إن القطاع بالمرصاد، والهوى والنفس أعداء لنا في الدين يكمنان، وقد جئت بنفسي إليك حتى نلجأ إلى كنف رحمتك وجوار فضلك فيكون عوزا لنا من هذه الفتن والأعداء.
وإن الاساءة إليك يا رسول الله وإن لم يترك لي مجالا لأن اعتذر عن نفسي ولكنني حضرت إليك معتذرا بعد ما اقترفت وأسأت، لقد ربطت معي نخلا من أجمة طبعي ذات الشوكة وحضرت بها إليك فليس إلا كمن يحضر بأعشاب إلى الفردوس الأعلى.
ويكفيني من الدنيا وما فيها أن تقبل شفتاي عتبتك حبا وإجلالا بعد ما كابدت فيها من مشكلات وما تجشمت من مشقة.


وهو في قصيدة له يتغزل ويذكر محاسنه الخلقية عليه الصلاة والسلام، وهي أجمل شعر في تراث الحبّ الخالد، تتقاصر عنها القرائح فيقول:
العندليب منك ومن وجهك المنير اكتسب الأناقة والجمال والبلبل منك أخذ يتيم النعم وجمال الصوت. وكل من شاهد شفتك المباركة الحمراء شهد بقلبه يا سبحان الله! ما أحسن ما هذب العقيق اليمني. فإن خياط الأزل تبارك وتعالى قد فصل على جمال قامتك صلى الله عليك وسلم لباسا كأنه من حديقة أشجار السرو.
وبلغ حبك بأويس القرني أن كسر رباعيته حينما سمع عنك ألمك فكان من رحمتك له أن أرسلت له قميصا لك.
وبلغوا من هذا الجامي المسكين السلام على الروضة الشريفة المقدسة والعتبة المباركة للنبي العربي عليه الصلاة والسلام.


ويقول في بعض شعره:
من فضلك يا رسول الله ألق علينا نظرة يملأها الرحمة والشفقة، وأشفق على حالنا البائسة وما وصلنا إليه، فأنا الغريب العاجز المسكين، يا رسول الله على بابك.
فكيف أشفى من داء هجرانك يا سيدي يا رسول الله، وكيف أصبر على البعد عنك فهناك قد حل ربيع في حديقة قلبي، ربيع الحب والاضطراب، فأنت سكون قلبي وسويداء روحي وراحتها وأنت الذي تصبر به نفسي وتقر به عيني، ففي جانب وجهك المنير المشرق وفي جانب آخر نفس مضطربة متألمة ، وأنت سيدي ومولاي وأنت الوالي لنفسي والأولى لها من غيرها، وأنت تعلم يا رسول الله أني لا أملك غيرك وليس لي سواك.
وعندما يكون الجامي في حالة الاحتضار، يلفظ أنفاسه الأخيرة فشرفه بزيارتك يا رسول الله فهذا ما أرجوه من كرمك ورحتمك يا رسول الله.


ويقول في مديحة:
"أنا أصغرالمادحين لسيدنا محمد وأدنى رجل منهم، بل فتى من فتيانه وغلام من غلمانه، ومحمد ضيف ربه والعالم كله ضيف محمد، حتى أنّ جميع الأنبياء والأولياء قد ارتشفوا من زلاله، كما أن العالم كله متطفل عليه ومحتاج إلى بابه ولم كان الملك أسنكدرالمقدوني، وعالم الآخرة وعالم الدنيا كلاهما لم يزالا في مدح وثناء له ليل نهار صباح مساء، كما أنّ القرآن كله قد نزل فيه، ومالي وللخمر والنشوة والطرب فأنا في نشوة مما ألقى عليّ من نظرة وأنا من صرعى ذلك، وإني وإن كنت مذنباً وخاسراً محزوناً ولكني قد تمسكت بذيل سيدنا محمد، وليس الجامي هوالوحيد الذي يثني على سيدنا محمد ويمدحه بل الله يتولى مدحه".


ويقول في قصيدة:
"إن جسدي في لوعة وتألم للفراق والبعد والهجران، ونفسي مهلوعة مخلوعة من اجل الذنوب والعصيان، فلو مررت بي أنا المسكين العاجز يا رسول الله لفديت نفسي لنعالك المباركة لما أني لا أملك غير نفسي لفقري.  وأنا التائه الحيران على ما اقترفت وأجرمت فكان ذلك اليوم أسود أيام حياتي لعصياني وحرماني فأنا نادم يا رسول الله ألف ندامة ومع ذلك فقلبي يغمره حبك ويطربه الوله بك، كما ربطت جأشي بذاتك المباركة ولا أدعي يا رسول الله أني أعرف أدب الكلام وحسن العرض، فيا رسول الله حينما تبسط ذراعك المباركة يوم القيامة لشفاعة الناس فلا تحرم الجامي يارسول الله من هذا الشرف ولا تهجره في تلك اللحظة الحرجة".


وله منظومة في المديح النبوي يكاد يعدّ أقوى مما قيل في الموضوع بل في عالم الحبّ كله أو من أروع نمادج تمثل الوله والهيام ولوعة الحبّ وتألم الهجران على فراق حبيب مع دلال العاشق النزيه الطاهر، وإنى لترجمة من لغة إلى لغة أن تعبر عن روح الكلام ولكن إن لم يصبها وابل فطلّ، قال الجامي:
"يا رسول ترحم ترحم فإن نفس العالم كله تكاد تنخلع من الهجران وعسى أن تفارق الجسد على هذاالفراق الذي حلّ بينه وبينك فأنت رحمة للعالمين فكيف تتغافل عنا نحن المحرومين المساكين، يا وردة رشيقة ويا زهرة ناضجة تفتح واخرج من تحت التراب فإلى متى تنام وتختفى عنا مثل النرجس، واكشف عن رأسك من البرداليماني الذي كفنت فيه حتى نتشرف بزيارتك فزيارة محياك هي الحياة لنا، واجعل ليلنا الداجي المظلم المحزن نهار ضياء وتشعّ فيه نوراً بوجهك المنير فينقضي فلاحاً ونجاحاً وتجمل على عادتك بحلة تفوح عنبراً وتعمم رأسك بالعمامة البيضاء تعبق كافوراً، وأرسل ذوائبك المعنبرة ووفرتك التي لا تنشرإلا المسك من رأسك،حتى يظهر ظلها على قدميك المباركة (فإنه قد اشتهر أنه عليه الصلاة والسلام لم يكن له ظلّ) واجعل في قدميك على عادتك النعلين من أديم طائف واتخذ شراكهما من نفوسنا وأروحنا، والعالم كله قد جعل عيونه إليك وجاء بمهجه انتظاراً لقدومك ويتمنى لو وضعت قدميك المباركة على نفوسه كما تجعلها على بسيط الأرض حتى تتشرف بتقبيل قدميك الميمونة، فاخرج من الحجرة المباركة إلى صحن المسجد واجعل قدميك على الذين يقبلون ما تمسّان من تراب، فساعدنا نحن المساكين وخذ بأيدنا نحن البائسين الفقراء، وابذل عطفك وكرمك بمواساة قلوب المحبين لك الباذلين بمهجهم وأرواحهم لك، ونحن وإن كنا مستغرقين في بحار الذنوب ولكن لا زلنا على بابك متعطشين، وأنت غيث الجود وسحاب الرحمة، فأولى لك أن تطرح ولو نظرة علينا نحن الظامئين المتعطشين.


يا لها من آونة سعيدة نتمثل فيها بين يديك بواسطة غبارالطريق، ونحضر إليك ونكحل عيوننا من تراب أرضك المقدسة، ونركع في المسجد النبوي ركعتين شكراً على هذه النعمة، ونسجد ، ونجعل أنفسنا الكئيبة المهمومة فراشة تتهافت على الروضة المباركة وضيائها، ونتردد إلى روضتك المباركة والقبة الخضراء ونكررالحضورإليها في شوق ولهفة ووله و ونطوف بروضتك المقدسة وحجرتك المباركة ونتجول حول قبتك الخضراء طربين مضطربين، وقلوبنا مفعمة مليئة بالأسى والحزن والتألم، والنفس يحدوها الشوق ويدفعها الحنين، وسقينا عتبتك روضتك الكريمة بسحابة من الدموع الهاطلة وأهرقنا عليها ماءالعيون، وحينا ننظف تلك الساحة الميمونة ونكنسها وندفع عنها الغبار، وحينا نلتقط منها القذارات والتبن والقذى، ونحصل على النور من ذلك القذى لمقل أعيننا رغم مضارها للعيون ونتخذ من ذلك التبن على علاته ضمادا لجروحنا وبلسما لداءنا، ويا له من يوم حضرنا فيه إلى منبرك المبارك ومسسنا وجوهنا وجهي بقوائمه حتى جعلناه كالذهب، وأشبعنا رغبتنا بالصلاة في مصلاك ومحرابك وسقينا حبنا بذلك، وغسلنا موضع قدمك بدموع عيوننا، وقمنا في كل سارية من سواري مسجدك بكل أدب وتواضع ودعونا للوصول إلى مقام الصديقين، وأشعلنا قناديل قلوبنا بجراحات أمانينا والأشواق الناشئة في أنفسنا.


والآن إن جسدي وإن لم يكن هناك ولكن روحي لا زالت في ذلك المكان المبارك والحرم المقدس ولله الحمد على ذلك، وإن نفسي يا رسول الله أمارة بالسوء مكلومة بجروح العجب وحب المدح فمن فضلك يا رسول الله نظرة حب وشفقة وشفاعة ومغفرة، فلو لم تلق علينا نظرة ولم منك التفاتة إلينا فقد أشرفنا على الهلاك، وتعطلت جوارحنا وأصبنا بالشلل الظاهر والباطن، فإن القدر يسوقنا إلى الشر ويصدنا عن ربنا فلربك ادعوه لنا خيرا خذ بأيدينا إليه، وادع الله لنا بالإيقان التام والإيمان الكامل ثم بالثبات على الدين والامتثال بأوامره، وادع كذلك أن لا يفضحنا ربنا يوم القيامة ولا يخزينا حينما تشتد الأهوال وتتفاقم الخطوب، ولا تذهب أعراضنا ضحايا النار يوم يحشر الناس لرب العالمين، وادع الله أن يأذن لك بالشفاعة لنا رغم كل غوايتنا وضلالنا، وإنك لتأتي يوم القيامة وأنت خاضع رأسك مثل العصا ندامة من ذنوب أمتك ورغم ذلك تقول شفاعة لنا أمتي أمتي، وبفضلك وعنايتك سيحالف النجاح للجامي ضمن الآخرين من رجال أمتك".


وهذه هي المديحة التي اشتهر عنها أنه رآى حاكم المدينة النبي عليه السلام في ما يراه النائم يؤكد عليه منع الجامي من الحضور إلى الروضة المباركة ولكنه نسى فجاء عليه السلام في منامه ثانياً وقال لقد حضر الجامي ولم تمنعه فحسبه الحاكم وشدد عليه فرآى النبي عليه السلام ثالثاً يأمره بإطلاق سراحه ويقول له إنني لم آمرك بمنعه لسوء في نيته بل لشدة هيامه وعزمه على إنشاد هذه المديحة عند قبري ولو كان قد فعل هذا لاضطررت إلى إخراج يدي لمصافحته فيكون ذلك فتنة للناس، والله أعلم بصحة هذه القصة.


وذكر الجامي وبعض مدائحه شيخنا الشيخ أبوالحسن علي الندوي رحمه الله فقال:
"وجاء مولانا عبدالرحمن الجامي الذي يعتبر من أكبر شعراء المديح النبوي في التاريخ الإسلامي، وقد تغنى بشعره أهل القلوب والعلماء والأدباء في جميع البلاد التي تفهم اللغة الفارسية، فأنشد أبياتاً من قصيدة له سارت بها الركبات، ورقت في اللفظ والتعبير، فكان مما احتملته الترجمة قوله <يا من نسبه عربي ولقبه أمي، لقد دان بولائك وخضع لسيادتك العرب والعجم سواء، إنّ فضاحتك استأثرت العرب، وإنّ ملاحتك ملكت قلوب العجم، ما ضرك أن لا تقرأ ولا تكتب، فبفضل جهودك وبعثتك تعلم الأميون ونبغ الجاهلون، بك ابيضت صحيفة الأعمال وأشرق نورك في الظلمات فلا ضير أن لا تخط سواداً على بياض، أو تضمّ سواداً إلى سواد> وقد اهتزّ لهذا الشعر الرقيق البليغ السامعون، وترتحت أعطافهم فاستزادوا الشيخ وأنشدوا الشعرالعربي القديم، فإنّ الشيخ من كبار فضلاء العربية ومن أئمة النحو والبلاغة،

وحدثتنا يا سعد عنهم فزدتنا ** شجوناً فزدنا من حديثك يا سعد


وطلبوا منه أن يذكر فضل البعثة المحمدية ومنّها علي العالم الإنساني فأنشأ قائلاً:
<لقد كانت الكعبة قبل بعثته مشحونة بأصنام من الحجارة وكان الحرم على سعته ضيقاً على من طلب الله وسعى إليه، إنه هو الذي اجتثّ هذه الأصنام وقطع دابرها، واستأصل شأفتها، وألقاها في مهاوى العدم، لقد رجع بفضله مقام إبراهيم إلى مكانته الأولى وحقق غايته من بناء البيت الحرام>


وقد استحسن ذلك الحاضرون وقد عرفوا أنه سافر على جناح الشوق إلى المدينة ووقف على قدم الحبّ في المسجد النبوي وأملاه حبه وشوقه الشعرالرقيق الرائق الذي طار في الآفاق وسار مسيرالمثل، فاقترحوا عليه إنشاد قطعة من هذه القصيدة الشوقية فكأنه صادف رغبة فيه وأثار قيثارته فانطلقت منها نغمات فكان مما قال:
<لقد كان من سعادتي الكبرى أن وصلت إليك فكان من شكري واعترافي بهذه النعمة، وكان من هيامي وغرامي أن كنست بأجفاني ومقلتي غبار طريقك، وسجدت لله شكراً في المسجد وجعلت روحي فراشة تتهافت على سراجك المنير، هطلت سحابة عيني التي كان عهدها بعيداً بالمنام، فنضحت بمائها عتبة بيتك ومدفنك، لقد سعيت إلى منبرك فمسحت بوجهي قوائمه، ووقفت في محرابك وسجدت لله، وغسلت موضع قدمك بدم العين، لا بدمعها، لقد دفنت أمام كلّ سارية وسألت الله أن يرزقني مقام الصادقين الذين صلوا إلى هذه السواري في صدق وإخلاص>


وقد كان في المجلس بعض العلماء فرفعوا رؤوسهم عند بعض الأبيات، ونظروا إلى الشاعر شزراً وإلى المترجم إشفاقاً وحذراً، فقلنا إن الشاعر من الراسخين في العلم ومن أصحاب العقيدة الصحيحة ولكنها لغة الحبّ والشعر لا لغة الفقه والكلام، وإنها مجازات واستعارات لا حقائق وقضايا" (1)


والجامي هذا هو من أشهر علماء الإسلام والمسلمين والمؤلفين، ذاع صيته في الإوساط الصوفية بكتابه نفحات الأنس في تراجم الربانيين ورجال الله في الفارسية وفي أوساط العالم الإسلامي بشرحه على كافية ابن الحاجب المسمى بالفوائد الضيانية الشهير بشرح الجامي، واسمه عبدالرحمن بن أحمد ولقبه نورالدين، كان وطنه في قرية خرجرد من قرى جام التي تقع الآن في حدود إيران على حدود أفغانستان بمقربة من هراة، ولد بها سنة 817هـ ثم انتقل مع والده إلى مدينة هراة الأفغانية وهناك نشأ وتربى وتعلم كما تعلم في سمرقند وحج وزار ثمّ توفي في هراة سنة 898هـ، وله غير الشرح المذكور شواهد النبوة واللوائح في التصوف والكلام، كما ساهم مساهمة فعالة في تخصيب الشعرالفارسي، وخلف فيه تراثاً قيماً كما أضاف بذلك إلى الثروة الأدبية الإسلامية إضافة قيمة.



هوامش:
(1) الطريق إلى المدينة للشيخ الندوي الطبعة الأولى


بقلم: طلحة نعمت الندوي

تنويه:

جميع المواد المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِّر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين