اسمه ونسبه:
أبو جهاد، عبدالوهاب بن عبدالغني بن بكري خيتي
ولد في مدينة "دوما" في غوطة دمشق، يوم الاثنين غرّة ربيع أول 1359هـ الموافق 8-4-1940م، في أسرة معروفة ذات مكانة، ونشأ في بيت علم ودين وصلاح، فوالده "عبد الغني" كان مختارًا في دوما، ولما نشبت الثورة السورية ضدّ الفرنسيين كان في طليعة المجاهدين الذين شاركوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله، حتى صار أحد زعماء الثورة في الغوطة؛ وعلى إثر ذلك أحرق الفرنسيون بيته ونفوه إلى الأردن عام 1926، ولما صدر العفو العام بعد سنتين عاد إلى بلده وانخرط في العمل الشعبي والسياسي، ولما تشكّلت الحياة السياسة أصبح نائبًا في مجلس الشعب عن قضاء دوما في الفترة بين 1936-1939، ثم عضوًا في مجلس أوقاف دوما.
وعمّه: "محمود" من زعماء الثورة ضد الفرنسيين أيضًا، وكان شاعرًا مجيدًا وخطيبًا بارعًا، وقد نُفي أيضًا إلى الأردن وحرق الفرنسيون بيته.
مشواره العلمي:
تلقّى تعليمه الأوليّ في دوما، وأكمل تعليمه الثانوي في ثانوية جودت الهاشمي (التجهيز الأولى) في دمشق، وتخرج عام 1958م.
التحق بكلية العلوم في جامعة دمشق، شارك خلالها في فعاليات المؤتمر الرابع لجامعات الجمهورية العربية المتحدة في مصر، إلّا أنّ رغبته الأولى كانت الالتحاق بالجيش؛ مما دفعه لترك كلية العلوم والالتحاق بكليّة ضباط الاحتياط في حلب التي انتدبته بعد عدّة أشهر إلى قيادة أركان الجيش العامة في دمشق، التحق بعد ذلك بالكلية العسكرية في حمص، ليتخصّص بعد سنة في سلاح المدفعية والتي كان معسكرها التدريبي في قطنا، لكن ما إن وقع انقلاب البعث عام 1963 حتى تمّ تسريحه ضمن عدد كبير من الضباط السنّة؛ وقد وُعد بالعودة بشرط الانتساب لحزب البعث؛ وهو ما رفضه رفضًا قاطعًا.
عاد للجامعة والتحق بكلية اللغة العربية وآدابها بجامعة دمشق، وتخرّج فيها عام 1967.
شيوخه:
تتلمذ على يد عدد كبير من علماء دمشق، ومن أساتذته وشيوخه الذين بقي حتى آخر حياته يذكرهم ويذكر علمهم وأخبارهم ومواقفه معهم:
- الأستاذ الأديب سليم بن عبدالقادر البرادعي.
- الأستاذ محمد بن عبد القادر المبارك أحد علماء اللغة والشريعة.
- الدكتور محمد بن عبدالرحمن أبو حرب أستاذ العلوم الطبيعية في جامعة دمشق.
- الدكتور أنور محمد الخطيب مؤسّس المعشب النباتي في قسم علم النبات في جامعة دمشق.
- الدكتور سعيد بن محمد الحفار.
- الدكتور محمد أديب الصالح أستاذ ورئيس قسم القرآن والسنّة بجامعة دمشق.
- الدكتور الأديب عبد الكريم الأشتر.
- الدكتور الأديب شاكر محمد كامل الفحَّام.
- الدكتور الأديب شكري بن عمر فيصل.
- علّامة النحو الأستاذ: محمد سعيد بن محمد بن أحمد الأفغاني.
- المربي الفاضل الشيخ: عبدالرحمن بن محمد توفيق الباني.
- المربي الفاضل الشيخ: عصام عطار.
رحمهم الله رحمة واسعة
كما كانت تربطه صداقة وتعاون وثيق مع رفقاء الدرب: الأستاذ المؤرّخ الشيخ: محمود شاكر رحمه الله، والأستاذ المحدّث الشيخ: صالح الشامي، والأستاذ المربّي: محمود زهرا، والأستاذ المربّي الشيخ: مروان القادري.
معارضته للنظام البعثي في سوريا:
كان -رحمه الله- معارضًا للنظام البعثي النصيري منذ تسلّطه على البلاد والعباد، وكان يجاهر -وبخاصّة أمام طلابه- بمبادئ الإسلام، ورفض مبادئ حزب البعث الاشتراكي وشعاراته؛ فضُيّق عليه كثيرًا بسبب ذلك، وتعرّض للاعتقال مرّتين، ثمّ منع من التدريس في مدينته دوما؛ ونتيجة لهذا التضييق اختار الغربة عن الوطن، وكان يحتسبها عند الله هجرة، فقد كَتَب في مذكّراته: "غربةٌ، أسأل الله العظيم أن يتقبّلها هجرة، ويكتب أجرها لي ولكّل أمثالي".
كانت وجهته الأولى إلى اليمن الجنوبي (بحسب التقسيم السياسي في ذلك الوقت)، حيث قضى فيها أربع سنوات، ولدى عودته إلى دمشق عام 1982 اعتقل للمرّة الثالثة، وبمجّرد خروجه جدّد الهجرة وكانت الوجهة هذه المرّة إلى الرياض في المملكة العربية السعودية، حيث قضى فيها 37 عامًا، قبل أن ينتقل للعيش في إسطنبول عام 1439-2018.
وعندما انطلقت الثورة السورية عام 2011 كان من المؤيّدين والمناصرين لها، كما كان له دورٌ إغاثي أيضًا؛ حيث كان على رأس "لجنة دعم المتضرّرين في دوما وريفها".
مشواره العملي:
- بدأ عمله في التدريس مبكّرًا قبل تخرّجه من الجامعة، وأنشأ مدرسة خاصّة مع عدد من زملائه عام 1966؛ لاستيعاب الطلّاب غير المقبولين في المدارس الحكومية بسبب بعض الأنظمة، ثم أغلقت المدرسة بعد ثلاث سنوات لأسباب من أهمّها: توجّهه الديني والسياسي.
- درّس في ثانوية منبج، ثم ثانوية دوما في الفترة (1969 - 1978.(
- انتقل إلى اليمن فدرّس في المدارس الثانوية في كلٍّ من: عدن، وسيؤون والمكلا (من مدن حضرموت) مدّة أربع سنوات (1978-1982).
- انتقل بعدها إلى المملكة العربية السعودية مدرّسًا في المعاهد العلمية التابعة لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، بدأها بالمعهد العلمي في مدينة الزلفي مدة سنتين، قام خلالها بإعداد وتأليف عدد من المقرّرات الدراسية. ثم المعهد العلمي بحيّ الملزّ في الرياض مدّة ست سنوات.
- كان لنشاطه في التأليف، وملحوظاته على المناهج، وتميّزه في التدريس؛ دورٌ في تعيينه في "الإدارة العامة لتطوير الخطط والمناهج" في إدارة جامعة الإمام بالرياض؛ ليعمل في الإشراف على كتب اللغة العربية المقرّرة في المعاهد العلمية في المرحلتين المتوسطة والثانوية تصحيحًا وتدقيقًا وتأليفًا وطباعة، إضافة إلى مراجعة بعض إصدارات الجامعة من الجوانب الدينية والاجتماعية والسياسية، والإشراف على طباعتها، واستمر في هذا العمل مدة عشر سنوات (1410-1420هـ).
- ومن أهم أعماله خلال هذه الفترة: قيامه بتهذيب كتاب شرح ابن عقيل لألفية ابن مالك، وشاركه في ذلك ثلاثة من موجهي اللغة العربية في المعاهد العلمية، وقد استغرق عمله فيه ثلاث سنوات ابتداء من عام 1414هـ.
- عمل في بداية إقامته في الرياض إمامًا لأحد المساجد في حي النسيم ولمدة خمس سنوات، وكان له دور في تعليم أهل المسجد من كبار السنّ وغيرهم قراءة القرآن والتجويد والصلاة.
- بعد تقاعده عام (1420هـ) عمل مشرفًا تربويًا في إحدى المدارس الخاصّة بالرياض مدّة تسع سنوات.
- ثم اعتكف بعدها على دراساته ومؤلفاته الخاصّة، والتي تتركّز حول الدراسات العربية حول القرآن الكريم، مثل: الأمر في القرآن الكريم، النهي في القرآن الكريم، الاستفهام في القرآن الكريم، وغيرها. إضافة إلى بعض الكتيبات الصغيرة والمقالات المتفرّقة، والتي ستأخذ طريقها للنشر قريبًا بإذن الله تعالى.
من خصاله رحمه الله:
كان -رحمه الله- مشهودًا له بحسن الخلق، والتواضع الجمّ والحياء، مع عزّة نفس وأَنفة.
وكان مربيًا فاضلاً مؤثّرًا فيمن حوله، وكان حسن الرأي مستشارًا لقضايا الناس الاجتماعية والدينية والاقتصادية والسياسية وغير ذلك، ولم تزل علاقته وطيدة بأصدقائه وأهل بلده وطلابه ومحبّيه حتى آخر يوم في حياته.
كان عفيف اليد، حريصًا على تحرّي الحلال والبعد عن الشبهات.
وكان صادقَ اللهجة، عفّ اللسان، غالب كلامه بالفصحى، والبلاغةُ تجري على لسانه جريًا.
وهذا كلّه بشهادة مَن عَرَفه وتعامل معه على مرّ العقود ومن مختلف البلدان والثقافات والتوجّهات.
كان لا يسكت عن منكر ولا يقبل به، ولا يتغاضى عن تقصير يراه، وإن كان نصحه باللين والموعظة الحسنة.
في بيته:
كان -رحمه الله- حسن التربية والخلق والتعامل، حريصًا على أهل بيته ومتابعتهم وتحفيزهم على أداء العبادات وبخاصّة الصلاة، والمحافظة على المسنونات والأذكار والدعاء، وتلاوة كتاب الله، كلّ ذلك بأسلوب لطيف محبّب مؤثر ورفيق، يسوق معه أحيانًا القصص والعبر والأمثال ليعظم التأثير، جاعلاً من نفسه قدوة ومثلاً لأولاده وأحفاده.
وقد كان لذلك أثرٌ في توجّه أولاده -بنين وبنات- نحو طلب العلم الشرعي وحفظ القرآن، كما كان له كبير الأثر في اعتدال منهجهم، وحسن تعاملهم مع شيوخهم وأقرانهم وتلاميذهم ومَن حولهم.
كما عُرف -رحمه الله- بتشجيعه الدائم لأبنائه، والثناء عليهم، وتقديمهم في مجالس الرجال واستشارتهم فيما هو من تخصصهم ومجال خبرتهم.
مع طلابه:
عُرف -رحمه الله- بالتفاني الكبير مع طلابه، وحسن معاملتهم، والقرب منهم، ونصحهم، ومعاملته الأخوية خارج المدرسة، مع حزم دون غلظة في الصف، فكانوا له طلابًا، ثم أصدقاء وزملاء بقية حياته.
وكان -رحمه الله- يجلس لطلاب العلم -وبخاصة الأئمة والخطباء- يعلّمهم اللغة العربية بكافّة فروعها، ويعينهم على تصحيح وضبط دروسهم وخطبهم، فمن ذلك أنّ أحد الخطباء كان يتصل عليه بالهاتف صباح كلّ جمعة يقرأ عليه الخطبة ليصحح له نطقه بها، ولم يكن يعرفه، وبقي على ذلك مدة ثلاث سنين، وكان بعض طلاب العلم يقرؤون عليه في بيته كتبًا في النحو والبلاغة والنقد وغير ذلك من علوم اللغة.
مرضه ووفاته:
كان -رحمه الله- قوي البنية الجسمية، تركت الحياة العسكرية في شخصيته ومشيته أثرها، ومع ذلك فقد أصيب بالسرطان في موضعين من جسده وعولج منه، وتبع -نتيجةً لذلك- عدّة مشاكل في القلب، وبقي صابرًا محتسبًا على بلائه الذي استمر عقدين من الزمن.
وجدتُ بخطّه في مذكراته: "اللهم اجعل عمري على قدر صحّتي؛ فنرحل خفافًا لا يشقى بنا حبيب، ولا يشفق علينا قريب.. آمين"؛ فلم يزد مرضُ وفاته عن شهر، وتوفّي في إسطنبول في الثامن من شهر ربيع الأول 1446 الموافق 11-9-2024 عن عمر يناهز سبعة وثمانين عامًا، وقد شاء الله سبحانه وتعالى أن يموت مبطونًا، أسأل الله أن يكتبه في الشهداء، ودفن في مقبرة (kilyos) شمال إسطنبول.
رحمه الله رحمة واسعة، وغفر له، وجعل قبره روضة من رياض الجنّة، ورفع درجته في المهديين، وحشره مع النبيين والصدّيقين والشهداء والصالحين، وأسكنه الفردوس.
بقلم ابنه: جهاد بن عبدالوهاب خيتي
جميع المواد المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِّر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين