كلمة موجزة عن الفقيد الشيخ عبد الرحمن الطيبي مفتي حوران

كلمة موجزة عن الفقيد الشيخ عبد الرحمن الطيبي مفتي حوران

التصنيف: علماء فقهاء
الجمعة، 9 محرم 1447 هـ - 4 جويلية 2025
58
عبد الرحمن الطيبي...
عبد الرحمن الطيبي...
الميلاد :- الوفاة :

مرَّ خالد بن الوليد بجماعة يوارون عالمًا من علماء ذلك العصر التراب، فقال: يا قوم، من أراد منكم أن ينظر إلى العلم كيف يموت، فلينظر إلى هذا، وأشار بأصبعه إلى ذلك العالم المسجَّى الموارى في لَحْدِه.
ونحن الآن لا يسعنا أمام ما نفتقده من علمائنا الأخيار سوى أن نكرر ما قاله ذلك القائد الباسل، ذلك قال قوله في عصر كثر فيه تهافت الناس على طلب العلوم الدينيَّة، ونحن نعيد قوله في زمان عكف أهله على تعلم العلوم الكونيَّة لما فيها من فوائد ماديَّة وغيرها ابتغاء العيش والحصول على أثمن المراتب، غير ملتفت أكثرهم إلى علوم الدين.
وهذا ما يحفزنا أن نصوغ من تراجم حياة هؤلاء العلماء الأفذاذ الذين تفتقدهم دروساً للأحياء؛ ليحذوَ الناشئون منَّا حذوهم، ويسيروا على غرارهم في طلب العلوم الشرعيَّة، ليظلَّ في هذه الأمة من يُحيون فينا الشرائع ويقوِّمون المعوج، وصاحب ترجمتنا هذه من أولئك العلماء الذين هم ورثة الأنبياء ممَّن تعتز بهم دمشق أمثال الشيخ بكري العطار، والشيخ أمين سويد، والمحدث الأكبر الشيخ بدر الدين.
نشأ الفقيد الشيخ عبد الرحمن الطيبي في نشأة صالحة متلقيًا العلوم عن والده الكبير (الشيخ محمد الطيبي الذي كان بادئ بدء مهندسًا لولاية سورية في العهد العثماني ثم مفتيًا لحوران) وعن كبار شيوخ دمشق.
واختصَّ بالفقه والفرائض، وكان يتمرَّن على الإفتاء، والقضاء منذ نعومة أظفاره، وداعبه ذات يوم أحد أدباء دمشق بهذين البيتين ليصرفه عمَّا هو فيه إشفاقا عليه قائلاً:

إنْ رمت يا طيبي بأن *** ترقى المعالي المحكمة
فاسمع لنصحي يا أخي *** واترك دخول المحكمة


ولما اطَّلع والده على البيتين أملى عليه حالاً:

إن رمت يا هذا لنا ** نصحا فأدرك ما تقول
وكفَّ عن محكمة ** فيها شريعة الرسول


ولمَّا توفي والده مفتي حوران قلدته الحكومة العثمانية منصب الفتوى فيها مكان أبيه، فأحيا هناك سيرة والده، وكان له الأثر الطيب والصيت البعيد في خدمة العلوم، وإرشاد أهل هاتيك الربوع وتعليمهم وتثقيفهم، وما فتئ الحورانيون يذكرون للفقيد الغالي ماله عليهم من الأيادي البيض وطيب الأحدوثة.
ولقد عاش الفقيد خمسة وتسعين عاماً قضاها هنا وفي حوران متقلِّداً فيها أسمى المراتب حتى توفاه الله في دمشق يوم الجمعة في ١٧ صفر سنه ١٣٦٣ هـ، وكان لنعيه رنَّة حزن..
فرحمه الله رحمة واسعة بقدر ماله من مكرمات وفضائل، وخدمات وجلائل أعمال، وأمدَّ في عمر نجليه الأديبين الفاضلين السيد شوكة، والسيد عمر الصحافي المعروف.
ولقد وقعت على أبيات للعلامة المرحوم الشيخ سعيد الكرمي يهني بها الفقيد بمنصب الفتوى أتيت على ذكرها هنا لتكون مسك الختام لهذه الذكرى:

لحوران بالتوفيق أضحى الهنا نعتا ** وصارت على عز محاسنها شتى
فقد خصها عدل الخليفة بالرضا ** وعين فيها مفتيا شيخ من أفتى
بدا عابد الرحمن فيها لخيرها ** خطيبها الطيبي وزادت به نحتا
ولا غرو فالإرشاد من آل بيته ** تأسس في أرجائها وبه يفتي


إلى آخر الأبيات التي تدل على مكانة الفقيد في الأقطار العربية وبعد صيته.


مجلة التمدن الإسلامي، العد 12 من السنة العاشرة : 1363

بقلم: حسني كنعان

تنويه:

جميع المواد المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِّر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين