خطبة الجمعة(1)
خلال إقامتي الطويلة في جدة خطبت الجمعة في أكثر من مسجد:
أ ـ في مسجد الجامعة: خطبت فيه خطبتين بتوكيل من الأخ د. ناجي عجم ـ رحمه الله تعالى ـ .
ب ـ في مسجد يخطب فيه الأخ د. الشيخ ياسر مسدي خطبت فيه خطبتين كذلك
جـ ـ جامع سعيد بن جبير:
كنت قد قدِمتُ لتوّي إلى جدة، بعد أن تم عقدي مع الجامعة، فطلب إليَّ الأخ الكريم الدكتور محمد الحصري الخطابة في هذا المسجد، الذي يشرف عليه العبد الصالح والرجل الرباني الشيخ عمر بادحدح ـ متعه الله بالصحة والعافية وأمدَّ في عمره ـ ولم أكن قد عرفت بعدُ مزاج البلد ولا توجهاته، ولا المسموح أو الممنوع من الخطب، ولكوني قد قدمت مِن سورية حديثاً ـ ومنذ أشهر قليلة ـ فإنني أحمل زخم الثورة الإسلامية في سورية، وحرارة دعوتها، وحيوية رسالتها، لذلك فإن خطبي الأولى ركزت على موضوع عقيدة الولاء والبراء، ثم ثنَّيت بالحديث عن مسؤوليات الآباء في تربية الأولاد، وجعلت وصايا لقمان لابنه هي الأساس في هذه المسؤولية... في الخطبة الأخيرة، في هذا المسجد، تقدم مني أحد المشرفين على المسجد، وقال: شيخنا أرجوك لا تتحدث في السياسة!! قلت له مدهوشاً: أنا في هذه الخطبة تحدثت في السياسة؟! قال نعم... ألم تتحدث عن ضرورة إبعاد أولادنا عن المسلسلات التلفزيونية؟ قلت مدهوشاً أكثر فأكثر: إذا قلت للإخوة المصلين جنِّبوا أولادكم المسلسلات التلفزيونية الهابطة والأغاني الماجنة الخليعة، والمناظر المثيرة... هل هذا حديث في السياسة؟؟ قال: نعم... إن كل ما يعرض في الراديو والتلفزيون هو مما رضِيَتْه لنا حكومتنا الرشيدة، فأي مخالفة لذلك يُعتَبر حديثاً في السياسة!! قلت: عجيب...!! هذا فهم لم أكن أعرفه! وقلتُ: إذن أستودعكم الله، طالما هذا فهمكم للسياسة!! أخشى أن تورطوني، وغادرت المسجد والمنبر، ولم أعد إليه البتة. ولم تُدفع إليَّ أي مكافأة، رغم حاجتي المادية الماسة يومئذ.
مرة أخرى أقول: هذا تصرف شخصي، وفهم كليل عقيم جاهل، وسوء تصرف، وليس سياسة عامة، بدليل أنني خطبت في مسجد آخر، وبنفس الموضوعات، ولم يُقَل لي شيء من هذا، رغم مرور عشرين سنة!!.
د ـ جامع المغربي:
سُمِّي كذلك نسبة إلى بانيه والمشرف عليه الشيخ المؤرخ الشاعر رجل الأعمال الأستاذ محمد علي مغربي ـ رحمه الله تعالى ـ
قبل أكثر من اثنين وعشرين عاماً لقيني الأخ د. بكري الشيخ أمين المدرس في قسم اللغة العربية بكلية الآداب بجامعة الملك عبد العزيز ـ أي زميلنا في الكلية ـ بل هو أحد خريجي الثانوية الشرعيَّة في حلب ـ نفس الثانوية التي دَرَسْت فيها ـ لكنه كان في السنَّة الأخيرة منها، وهي نفس السنَّة التي انتسبت فيها، قال لي الدكتور أبو وضاح الشيخ أمين: هل لك أن تخطب الجمعة؟ قلت: أنا جاهز ـ وقد كنت أخطب في جامع سعيد بن جبير سابقاً ـ قال: صاحب المسجد هو الشيخ محمد علي مغربي رجل الأعمال المعروف، طلب مني أن أرشح له خطيباً لمسجده في جدة ـ شارع حائل ـ أمام مركز القافلة. أتوُافق على ترشيحك؟ قلت: لا مانع، ثم عاد وطلب مني أن ألقى الشيخ المغربي، بعد أن سمع حديثاً لي في إذاعة القرآن الكريم، تم اللقاء، وتمت الموافقة، وصعدت المنبر ولا أزال منذ أكثر من /25/ عاماً، وقد كان خطيبه الأخ العزيز الشيخ الدكتور كمال عيسى ـ رحمه الله تعالى ـ وأجزل مثوبته، فقد كان زميلنا في الجامعة والكلية والقسم، وكان رجلاً ربانياً مصري الجنسية.
وخلال هذه الفترة الطويلة، لم أُوجه إلى خطبة معينة، أو إلى فكرة معينة، أو إلى مناسبة معينة، أو إلى دعاء معين، ولم أُعطَ خطبة مطبوعة من مديرية الأوقاف أو غيرها، وإنما كنتُ دائماً أعرض من خلال خطبة هذا المنبر أفكاري ومفاهيمي وثقافتي وتقويمي الدعوي للأحداث التي تمر بها الأمة. وهي عادة متأصلة فيَّ إذ أنني أحرص على أن أربط خطبتي وموضوعها بالحَدَث والمناسبة التي تمر بها الأمة، إذا وضعتُ قدمي على الدرجة الأولى من المنبر، توجهت إلى الله بالدعاء:[ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي] {طه:26:25} [رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ] {القصص:17} وأدعو لإخوتي خطباء الجمعة الذين سبق أن تعاهدنا على أن يدعو بعضنا لبعض، وذلك منذ سنوات طويلة؛ أمثال الشيخ عدنان السقا، والشيخ جمال سيروان، والشيخ أبو النور قره علي، والشيخ ياسر مسدي، والشيخ عبد النافع الرفاعي، أذكرهم بالدعاء، أن يظهر الله الحق على ألسنتهم، وأن يوفقهم لحسن البلاغ عن الله وعن رسوله ﷺ، لا زلت على هذا العهد إلى اليوم بحمد الله تعالى.
فإذا ما استويتُ أعلى المنبر تمثلتُ قوله تعالى:[وَأَنَّ المَسَاجِدَ للهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَدًا] {الجنّ:18}.
أقولها وبكل الصدق ـ والله شاهد على ما أقول ـ أنه لم تُوجَّه لي ملاحظة خلال هذه الفترة الطويلة إلا ثلاث مرات، وهي:
أ ـ الأوقاف وأزمة الخليج: حين حدث غزو العراق للكويت، ودخَلَت القوات الأمريكية وغيرها منطقة الخليج، وداخلنا قلق وتخوف ككل الإسلاميين، فتحدثتُ في أكثر من خطبة عن هذا القلق والتخوف، ويبدو أن إحدى هذه الخطب قد حضرها موظف في القنصلية السورية في جدة، وكنت أعرفه، فرفع بي تقريراً إلى مديرية الأوقاف، قاصداً الإضرار والانتقام، وذهبتُ إليهم بعد اتصال هاتفي، فعاتبوني أن أتحدث في هذه المواضيع، وسألوني إن كنتُ أسجل الخطبة أو أكتبها حتى يطلعوا على خطبي، فنَفَيْت ذلك، وقلت لهم: أنا لا أكتب ولا أسجل، ولكني أنقل نصوصاً ورؤوس أقلام، ثم ذكرت لهم أنني أقرِّر مبادئ، ولا أُصرِّح، وأنطلق في تقرير الحقائق من خلال كتاب الله الكريم، وحديث رسول الله الصحيح، لكنني لا أضمن سوء فهم بعض المخبِرين، وذكرتُ لهم حضور موظف الأمن السوري، ومحاولة الكيد والإضرار، ورفع التقارير الكاذبة، بقصد الوشاية، وانتهَتْ المقابلة بطلب المسؤول أن أكتب الخطبة أو أسجلها، ووعدته، ثم لم أفعل هذا ولا ذاك، واستمرَّت خطبي على ما هي عليه بحمد الله وفضله وحفظه.
ب ـ غورباتشوف وأمريكا: في إحدى الخطب استشهدتُ بقول الرئيس السوفييتي غورباتشوف: إن أخطر مشكلة تواجه الدولتين العظميَيْن هي الإسلام الأصولي، وما لم تتعاون الدولتان الكبيرتان (أمريكا والاتحاد السوفيتي) على مواجهته، وكبح جماحه، فقد تمضي عشرون سنة قبل أن نستطيع وقف انتشاره وتعاظم خطره... لما فرغتُ من الخطبة تقدم مني صاحب المسجد الشيخ محمد علي مغربي ـ طيَّب الله ثراه ـ وسلَّم علي، وشكرني، ثم قال ـ وبكل أدب واحترام ـ: يا أستاذ فاروق! رغبة في استمرار خطبك، ودوام نفعك، أرجوك ثم أرجوك: أن لا تأتي على ذكر أمريكا ولا ذكر روسيا، لا مدحاً ولا ذماً!! فضحكتُ ودافعتُ عن فكرتي.
والشيخ المغربي ـ رحمه الله تعالى ـ كان دائماً يحضر خطبتي في هذا المسجد، رغم أنه قد بنى أكثر من مسجد، كما كان يحضرها الداعية الكبير المصري الشيخ مصطفى العالم، والشيخ المفسر د. محمد علي النمر ـ رحمهما الله تعالى ـ.
جـ ـ مؤتمر أنابوليس: دعت أمريكا دول العالم ومنها الدول العربية إلى حضور هذا المؤتمر، وذلك بتاريخ 27/11/2007، خطَّطَتْ له وزيرة الخارجية الأمريكية (رايس) حول إقامة دولتين دولة لليهود، ودولة للفلسطينيين، وفق خارطة الطريق التي أضحى مسؤولها (بلير) رئيس وزراء بريطانيا الأسبق، وشريك بوش في جرائمه ضد العرب والمسلمين، وفي غزو العراق وأفغانستان والصومال (عبر أثيوبيا)، وصادف تاريخ عقد هذا المؤتمر ذكرى قرار تقسيم فلسطين الصادر عن الأمم المتحدة عام /1947/ والذي قضى بتقسيم فلسطين إلى دولتين: دولة لليهود، ودولة للفلسطينيين بنسبة 45% ولما كنت لا أستطيع في خطبة الجمعة تجاوز المناسبة، وهي مؤامرة كبرى على العرب والمسلمين، تهدف إلى إنهاء قضية فلسطين، والبدء في إقامة مشروع الشرق الأوسط الكبير.
قلتُ في خطبتي: يمر اليوم ستون سنة على قرار الأمم المتحدة الصادر عام /1947/ والقاضي بتقسيم فلسطين دولتين، ومنذ ذلك التاريخ عُقِدت مؤتمرات ومؤتمرات، وانعقدت لقاءات بعدها لقاءات، واتُخِذت قرارات وقرارات، والقضية الفلسطينية في منطقة الصفر، تتراجع يوماً بعد يوم، حتى لم يبق من فلسطين إلا القليل، فقد قَضَمتْ إسرائيل الأرض، وأقامت آلاف المستوطنات، وبنت الجدار العازل، وهدمت المساكن، وجرَّفت المزارع، وهدمت أساسات الأقصى ـ ويوشك المسجد أن يسقط ـ وقتلت الآلاف، وأسرت أحد عشر ألفاً، وتريد أمريكا اليوم أن تُشْهِد العالم على ما سرقته إسرائيل، لِيُعتَرَف لها بهذا الواقع الجديد، ودائماً هذه هي إسرائيل، تفرض الأمر واقعاً على الأرض، وتقول للفلسطينيين والعرب و مَن وراءهم: هذا واقع، فكَروا بما بعده!! وفاوضوني فيما بعده!!
ونحن دائماً نلهث وراءها... لا نلوي على شيء.
وقلت: هذا ليس غريباً على اليهود، فهذا سلوكهم الدائم، وهذا خلقهم المستمر. وعلى المفاوضين العرب إذا كانوا مخلصين للقضية الفلسطينة أن يدرسوا أخلاق اليهود وتاريخهم ونفسيتهم وأساليبهم، كما يفعل كل المفاوضين في العالم، فإنهم يدرسون بادئ ذي بدء، وقبل أن يجلسوا على مائدة المفاوضات ـ نفسية وأخلاق وأساليب خصومهم، حتى يكونوا على بصيرة... وقد تكفَّل القرآن العظيم، ببيان ذلك، وما أُعِطي اليهود هذا الهامش الكبير من القرآن العظيم إلا ليكون العالم كله على بينة من طِباع اليهود وشرورهم وآثامهم، وحتى يكونوا على حَذَر من التعامل معهم، ثم بيَّنت تفصيلاً تلك الأخلاق وذلك التاريخ، وكنت قد استخلصت من القرآن بعض هذه الأخلاق والصفات، بدءاً من سوء أدبهم مع الله وما وصفوه به، ومروراً بسوء تعاملهم مع أنبياء الله ورسله، رغم أن الله جعل منهم الأنبياء والرسل، وفضَّلهم على كافة الأمم في عصرهم، فقتلوا الأنبياء، وكذبوهم، ونسبوا إليهم أسوأ الصفات، ثم تحدثت عن سوء تعاملهم مع البشر كل البشر، وكل الأجناس طالما أنهم ليسوا يهوداً، وليسوا من بني إسرائيل، فقالوا كما حكى الله عنهم: {وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} آل عمران: ٧٥ .أي يعتقدون أنه لا عقاب عليهم من الله، ولا حساب، ولا مسؤولية، ولا جزاء عما يرتكبونه في حق غيرهم من عدوان وجرائم ومظالم... وهكذا استعرضت بعض ما ورد في كتاب الله من آيات تحكي تلك الأخلاق وتلك الصفات...
قام أحد المصلين ـ على ما يبدو ـ فكتب تقريراً بالخطبة إلى المسؤولين المحليين، وأظن أن الكاتب هو من طرف القنصلية السورية، وقد عبر أحد موظفيها لأحد أولادي قائلا: تقولون إن والدكم متقاعد، وكبير في السن، وإني لأحضر خطبه، وإن صوته صوت أسد يهدر بقوة.
كتب هذا الأثيم يقول:إنني هاجمتُ المملكة، لأنها حضَرَتْ مؤتمر أنابوليس، فاستُدعيتُ للقاء مراقب المساجد، وكان مكتبه في ديوان المظالم، فلقيني باحترام وتقدير، وقال: أصحيح أنك هاجمت مؤتمر أنا بوليس؟، قلت له: أنا لم آت على ذكر مؤتمر أنا بوليس، وإنما تحدثت عن قرار التقسيم الذي أصدرته الأمم المتحدة عام /1947/ والذي صادف يوم الجمعة الذي خطبت فيه ذكرى مرور ستين سنة، وكان حديثي عن أخلاق اليهود ومكرهم وخداعهم، وإن على الإخوة المفاوضين العرب أن يتبصَّروا مسؤوليتهم، وأن يتبيَّنوا أخلاق يهود، وأن يرجعوا إلى القرآن الكريم الذي تكفَّل بالتعريف بهذه الأخلاق وهذه الطباع... قال الأخ مراقب المساجد: هذا حديث في السياسة فاترك السياسة لأهل السياسة ! قلت له:ما تكلمته ليس سياسة، وإنما هو نصح واهتمام بأمر المسلمين، ومن لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم، خاصَّة إذا كان الأمر يتعلق بالقضية المركزية للمسلمين وهي قضية فلسطين قضية القدس، قضية المسجد الأقصى، قضية الصخرة المشرفة، قضية مسرى رسول الله ﷺ وقضية معراجه...
قال المراقب: أتسجل خطبتك؟ قلت: لا قال: أتكتبها؟ قلت: لا، ولكني أسجل النصوص والأفكار العامة، قال: أمعك نسخة منها؟ قلت: نعم، قال: أرنيها، فأعطيته إياها وتصفحها ثم قال: هل يمكن كتابة نص الخطبة كاملاً، وفق هذه الخلاصة؟ قلت: نعم...
واتفقنا أن أقدمها في اليوم الثاني، وفي الموعد المحدد قدمت له نصاً كاملاً للخطبة، فتصفحها ثم قال: كم تذكرني بالشيخ علي الطنطاوي (2)ـ رحمه الله تعالى ـ ؟ قلت: شكراً لك، والمئات من الإخوة المصلين يذكرون ذلك لي. ثم قال: أهنئك بتلاميذك الذين يحبونك، وقد اتصل بي أكثر من واحد، يوصون بك، قلت: شكراً لك ولهم، قال: إني أحببتك، ولكني موظف مكلف، لا أملك إلا أن أرفع خطبتك إلى المسؤولين، ومن غير تقرير مني، ولا أضمن مَن فوقي! قد... قد... قلت له: أنا أحترم وظيفتك ومسؤوليتك، فافعل ما يقتضيه واجبك، وأرجو أن تطمئن أنني وطَّنتُ نفسي على الرضا بقضاء الله وقدره، وأنا واع كل الوعي لحساسية الموقف، فأنا ضيف، وملتزم بواجبات الضيافة، وخلال ثلاث وعشرين سنة لم تُقدَّم لي إلا ملاحظتان، وحكيت له ما سبق أن عرضتُه في الصفحة السابقة، ثم قلت له: إن كان كلامك يحمل معنى التهديد: فأرجو أن تعلم أنني لا أصعد درجات المنبر إلا وأدعو بدعوتين الدعوة الأولى: {قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي} طه: ٢٥ - ٢٨ والدعوة الثانية: {قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ} القصص: ١٧ وإنه لعهد دائم لله أن لا أكون عوناً لظالم أو طاغية أو مستبد أو خائن، وقلت له: إنني ملتزم ومطمئن ومؤمن بما ورد عن عامر بن سعد ـ رحمه الله تعالى ـ حين قال: ثلاث آيات في كتاب الله استغنيتُ بِهِن عن جميع الخلائق أما الآية الأولى فقوله تعالى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} هود: ٦. وأما الآية الثانية فقوله تعالى: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} يونس: ١٠٧ وأما الآية الثالثة فقوله تعالى: {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} فاطر: ٢.
ثم ودَّعته وافترقنا، ثم جاءتني رسالة على الهاتف من أحد طلابي إمام مسجد جامع اليرموك الشيخ سامي غندورة يقول: أهنئك وأبشرك فقد استوعب القوم الأمر، وانتهتِ المشكلة، وتابعتُ بحمد الله تعالى خطبي (3) في نفس المسجد وبنفس الأسلوب، لا أدَّخر مناسبة هامة تهم المسلمين وتهددهم بالحظر إلا خطبتُ حولها. ولله الفضل والمنة، ولتلاميذتي المحبين الشكر والتحية.
يتبع في الحلقة الحادية والثلاثين، ونذكر فيها نص الخطبة كما تم تقديمها للمسؤول.
(1) أتحدث في هذا الموقع باعتبارين: الاعتبار الأول: أنه عمل دعوي مأجور، والاعتبار الثاني: أنه جزء من تاريخ وذكريات...
(2) تشبيهي بالشيخ الطنطاوي ـ رحمه الله تعالى ـ ذكره الكثير حين أضع الغترة على رأسي، وتبْين لحيتي البيضاء، ولا شك أنني أتشرف بهذا التشبيه لعالِم أديب كبير.
(3) أي: حتى الشهر العاشر من عام 1430 والشهر التاسع من عام 2009.
جميع المواد المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِّر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين