تقديم:
يُعَدُّ هذا الكتاب سفراً علميًّا ونفَسًا دعويًّا يتتبع مسيرة أحد أبرز الدعاة في التاريخ الإسلامي الحديث، الشيخ محمد إلياس الكاندهلوي، الذي أسس جماعة التبليغ، وهي إحدى الحركات الدعوية الأكثر تأثيرًا وانتشارًا في العالم الإسلامي. فالكتاب يُلقي الضوء على حياة هذا الداعية الفذّ، ويستعرض جهوده العظيمة في نشر الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، بعيدًا عن الصخب السياسي، قريبًا من القلوب والعقول.
حياة الشيخ محمد إلياس الكاندهلوي
وُلد الشيخ محمد إلياس الكاندهلوي عام 1303هـ (1885م) في قرية كاندهلة بالهند، في بيت علم ودين، حيث نشأ في بيئة تزخر بالروحانية والمعرفة الشرعية. كان والده، الشيخ إسماعيل، من العلماء الصالحين، ما جعل الشيخ إلياس يتلقى تعليمه الأولي على يديه. أكمل دراسته في دار العلوم ديوبند، حيث تعمق في الفقه والحديث والتفسير، متأثراً بمنهج علماء الهند الكبار.
مع مرور الوقت، لاحظ الشيخ إلياس تراجع الالتزام الديني في المجتمع، خاصة بين الطبقات الفقيرة والعامة، فشعر بمسؤولية نشر الدعوة وإصلاح الناس عبر منهج سهل وبسيط، يقوم على التربية والتزكية وتذكير المسلمين بواجباتهم تجاه الله.
الرسالة والمنهج الدعوي
اتسم منهجه الدعوي بعدة مبادئ أساسية:
التربية الإيمانية: لم يكن هدفه مجرد تعليم الأحكام الشرعية، بل أراد أن يجعل الناس يعيشون روح الإسلام في حياتهم اليومية.
الخروج في سبيل الله: كان يرى أن المسلم يحتاج إلى ترك بيئته المعتادة لفترة، والخروج مع جماعة تذكّره بالله، كي يجدد إيمانه ويكتسب صفات الصحابة.
الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة: لم يكن يعتمد على الجدال أو النقد، بل على العمل والتجربة العملية في نشر الدين.
إحياء السنة النبوية: كان يركز على تطبيق السنن في العبادات والمعاملات، وجعل ذلك جزءًا من أسلوب الحياة.
الاستقلال عن السياسة: لم يخلط دعوته بأي نشاط سياسي، بل جعل هدفها الوحيد هو إصلاح القلوب وإعادة الناس إلى الإسلام.
انتشار الدعوة وتأثيرها
بدأت دعوته في منطقة ميوات، حيث كان الجهل بالدين منتشرًا. كان يزور القرى بنفسه، يعظ الناس، ويأخذهم في رحلات دعوية لبث روح الإيمان فيهم. ومع مرور الوقت، انتشرت الفكرة بسرعة، وتحولت إلى حركة عالمية، شملت شبه القارة الهندية، ثم امتدت إلى العالم العربي، إفريقيا، وأوروبا.
أثر الشيخ محمد إلياس في كثير من العلماء والدعاة، وكان لتلاميذه دور كبير في استكمال المسيرة بعد وفاته عام 1363هـ (1944م). واليوم، أصبحت جماعة التبليغ قوة دعوية عالمية، تهدف إلى إحياء القيم الإسلامية، بعيدًا عن النزاعات..
بقلم: أبو الحسن علي الحسني الندوي
جميع المواد المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِّر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين