المُذهَّبات من تراثنا التربوي

المُذهَّبات من تراثنا التربوي

التصنيف: التربية والدعوة
الاثنين، 9 شوال 1446 هـ - 7 أفريل 2025
56
تحميل البحث

التعريف بالكتاب:
يقدّم كتاب "المذهبات في التربية" تجربة معرفية فريدة، تستلهم من التراث التربوي الإسلامي أصوله الراسخة، وتعيد تقديمه بأسلوب عصري يتناغم مع تحديات الحاضر ومتطلبات المستقبل. فهو ليس مجرد استعراض للأفكار التربوية التقليدية، بل محاولة لإعادة صياغتها وفق مناهج علمية حديثة، تُراعي التغييرات الاجتماعية والثقافية التي طرأت على المجتمعات الإسلامية.



التربية عماد الحضارات
يبدأ الكتاب بفكرة محورية مفادها أن التربية هي الأساس الذي تُبنى عليه الحضارات، فإذا كانت متينةً وقويةً، ازدهرت الأمم واستدامت، وإذا أصابها الوهن، ضعفت المجتمعات وانهارت

. هذه الفكرة تستند إلى السياق التاريخي، حيث يوضح المؤلف أن أولى خطوات الإصلاح التي قام بها الأنبياء والمصلحون كانت دائمًا تربوية في جوهرها، لأنها تمسّ العقل والوجدان والسلوك، وهو ما يضمن تغييرًا مستدامًا.

ويمثّل النبي ﷺ النموذج الأسمى في التربية، حيث بدأ بإعداد الأفراد قبل بناء المؤسسات، فربّى الصحابة على القيم والمبادئ، مما مكّنهم لاحقًا من تأسيس دولة إسلامية متماسكة. ومن هنا، يربط الكتاب بين التربية الإسلامية وبين نهضة الأمة، مؤكدًا على أن أي مشروع نهضوي لا يمكن أن ينجح إلا إذا تأسس على قاعدة تربوية متينة.


محاور رئيسة في الكتاب
يتناول الكتاب مجموعة من المحاور التي تغطي مختلف جوانب العملية التربوية، من الفكر والتنظير إلى التطبيق والتنفيذ، ومن أبرز هذه المحاور:

1. تربية العقل الناقد
يؤكد المؤلف أن التربية لا يجب أن تكون تلقينية، بل ينبغي أن تغرس التفكير النقدي في عقول الناشئة، بحيث يكونوا قادرين على تحليل الأفكار، وفهمها، ومقارنتها، والتمييز بين الصواب والخطأ. ويضرب أمثلة على أهمية هذا النوع من التربية في تشكيل أفراد قادرين على اتخاذ قراراتهم بأنفسهم دون أن يكونوا عرضة للتلاعب والخداع

2. تربية العقل الإبداعي
الإبداع ليس ترفًا، بل هو حاجة ملحّة في عالم متغير، حيث لم تعد المهارات التقليدية كافية لضمان النجاح. يتحدث الكتاب عن أساليب تحفيز الإبداع، مثل طرح الأسئلة المفتوحة، وتشجيع البحث والتجريب، وتنمية الخيال، كما يسلط الضوء على دور المعلمين والمربين في اكتشاف المواهب وصقلها

3. بناء القدوات وصناعة الرجال
من النقاط الجوهرية التي يطرحها الكتاب هو أهمية القدوة في التربية، حيث يرى أن الشخصيات القيادية لا تُصنع بالصدفة، بل تحتاج إلى إعداد طويل، يبدأ منذ الطفولة. يؤكد المؤلف أن المجتمعات التي تفتقد القدوة الصالحة تعاني من الفراغ القيمي، مما يؤدي إلى اضطراب في السلوكيات وانتشار الفوضى.

4. التربية الفردية: من التزكية إلى التأثير
في هذا المحور، يوضح الكتاب أن التربية لا تقتصر على المدارس أو المؤسسات، بل هي عملية مستمرة تبدأ من تربية الذات أولًا. فقبل أن يطمح الإنسان لتغيير الآخرين، عليه أن يبدأ بنفسه، من خلال تنمية وعيه، وتقويم سلوكه، وتطوير ذاته روحيًا وفكريًا. ويرى المؤلف أن التربية الذاتية عنصر جوهري في بناء شخصيات قيادية مؤثرة، لأنها تجعل الإنسان أكثر وعيًا بمسؤولياته وأكثر قدرةً على التفاعل الإيجابي مع مجتمعه.


نقد النظريات التربوية الحديثة
يطرح الكتاب رؤية نقدية للنظريات التربوية الغربية الحديثة، مؤكدًا أنها رغم ما قدمته من مساهمات مفيدة، إلا أنها لا تخلو من العيوب، خاصة فيما يتعلق بإبعاد البعد القيمي والديني عن العملية التربوية.

يقول المؤلف:
"اضطر الغرب إلى إعادة بناء التربية من جديد بعد أن ألغى الدين من منظومته الفكرية، فكانت النتيجة نظريات غير مكتملة، تحتاج إلى تعديلات دائمة. أما نحن، فلدينا منظومة تربوية متكاملة في تراثنا الإسلامي، لكننا لم نعد نهتم بها كما ينبغي، بل أخذنا نستورد النظريات الغربية دون وعي أو تمحيص"

ويدعو الكتاب إلى إعادة الاعتبار للفكر التربوي الإسلامي، ليس برفض النظريات الحديثة، بل بإعادة قراءتها في ضوء القيم الإسلامية، وأخذ ما يتناسب معها، وترك ما يتعارض مع الهوية الدينية والثقافية.



إعادة صياغة التربية وفق رؤية إسلامية
يختتم الكتاب بفصلٍ تحت عنوان "إكسير التربية"، وهو أشبه بخلاصة للرؤية التربوية التي يدعو إليها. يطرح المؤلف في هذا الفصل تصورًا عمليًا حول كيفية تطوير العملية التربوية في العالم الإسلامي، بحيث تقوم على ثلاثة أسس:

المعرفة الصحيحة: بمعنى أن يكون المربون على دراية بأسس التربية الإسلامية، وقادرين على ربطها بالواقع المعاصر.

التطبيق السليم: أي تحويل المبادئ التربوية إلى برامج عملية يتم تنفيذها في المناهج الدراسية، وداخل الأسرة، وفي مختلف مؤسسات المجتمع.

التأهيل المستمر: حيث يرى المؤلف أن التربية ليست عملية جامدة، بل هي مجال يحتاج إلى تحديث مستمر، وفق المستجدات العلمية والتحديات التي يواجهها المجتمع.


لماذا "المذهبات في التربية" مهم اليوم؟

إن أهمية هذا الكتاب تنبع من كونه يعيد طرح الأسئلة الجوهرية حول التربية في العالم الإسلامي، ويدعو إلى مراجعة شاملة للمناهج والأساليب التربوية، بحيث لا تكون مستوردة أو مفروضة، بل منبثقة من ثقافة المجتمع وقيمه.

إنه كتاب يعيد الاعتبار إلى التربية كقوة محركة للتغيير، ويرى أن الطريق إلى النهضة يبدأ من المدرسة والبيت والمجتمع، حيث يتربى الأفراد على الحرية المسؤولة، والإبداع، والنقد البناء، والاعتزاز بالهوية.

"المذهبات في التربية" ليس مجرد كتاب في التربية، بل هو مشروع فكري يسعى إلى إعادة صياغة الفكر التربوي الإسلامي ليكون أكثر انسجامًا مع العصر، دون أن يفقد أصالته وجوهره.

إنه كتاب يستحق القراءة، ليس فقط من قبل التربويين والمربين، بل من كل من يؤمن بأن التربية ليست مجرد تعليم، بل هي بناء حضارات، وصناعة قادة، ورسم معالم المستقبل.


إعداد: فايز سعيد الزهراني

تنويه:

جميع المواد المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِّر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين

أبحاث ذات صلة

يمكنكم تحميل الأبحاث بعد الإطلاع عليها

التربية والدعوةنظرات في الخطاب الإسلامي المعاصر

نظرات في الخطاب الإسلامي المعاصر

السبت، 24 جمادى الآخرة 1434 هـ - 4 ماي 2013
التربية والدعوةمرجعيّة  القيم عند المسلم

مرجعيّة القيم عند المسلم

السبت، 24 جمادى الآخرة 1434 هـ - 4 ماي 2013
التربية والدعوةأدب الاختلاف في الإسلام

أدب الاختلاف في الإسلام

السبت، 24 جمادى الآخرة 1434 هـ - 4 ماي 2013